أكد الدكتور أحمد نبوي، الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف، أن من صور الغلو والتشدد الخطيرة أن يُفتي بعض الناس بغير علم في مسائل الدين، بدافع الخوف من الظهور بمظهر الجاهل أو بدافع ورع زائف.
التحريم دون علم
وقال “نبوي” في تصرح له: إن هناك من يُسارع إلى التحريم دون علم، ويظن أن هذا من باب الاحتياط، فيقول: “لو كان حرامًا فقد أنكرناه، وإن كان حلالًا فقد تورعنا”، وهذه أنانية في الطرح، وضررها كبير، إذ قد تُضيّق على الناس في حياتهم وتُربك أمورهم دون دليل شرعي.
وأوضح الدكتور نبوي، أن الغلو يتمثل في مجاوزة الحد، بينما الورع الحقيقي هو التزام الإنسان بنفسه دون الإنكار على غيره، مضيفًا: “الذي يتورع بحق لا يحكم على الآخرين، أما الذي يتهم الناس في نياتهم ويقسو في أحكامه، فقد جاوز حدود الورع ووقع في التشدد”.
ودعا إلى تطبيق القاعدة الأصيلة: “تعلّم قبل أن تتكلم”، مؤكدًا أن هذا المنهج مطلوب في كل شؤون الحياة، لا سيما في أمور الدين، مضيفا: “لا يليق بالإنسان أن يتحدث في أمور الشريعة دون علم، مثلما لا يليق أن يتدخل في إصلاح بين متخاصمين دون معرفة التفاصيل. فكيف بمن يتحدث في دين الله؟”.
أنواع البدعة
وفي معرض حديثه عن البدعة، أوضح الدكتور أحمد نبوي أن العلماء فرّقوا بين أنواع البدعة، وقالوا إنها تنقسم إلى: بدعة محرمة وغير محرمة، بدعة هدى وبدعة ضلالة، بدعة حسنة وبدعة سيئة.
وأشار إلى أن هذا التقسيم قرره جماهير علماء الأمة سلفًا وخلفًا، وأن الحديث النبوي الشريف: “كل بدعة ضلالة”، هو عام مخصوص، فليس كل ما لم يفعله النبي ﷺ بدعة محرمة.
وبيّن أن الميزان الصحيح في هذا الباب هو عرض الأمور على أصول الشريعة، فإن خالفتها فهي بدعة مذمومة، وإن وافقتها أو لم تخالفها فهي من الأمور الجائزة أو المستحسنة، وهذا لا يُقرره إلا العلماء، لأنهم الأقدر على فهم قواعد الشرع ومقاصده.
وحذر من أثر الغلو على شخصية الإنسان، قائلًا: “المتشدد غالبًا ما يصبح منفردًا ومنفّرًا، يبتعد الناس عنه، لأنه يُقسو عليهم ويتهمهم في دينهم، والنبي صلى الله عليه وسلم رغم أنه رحمة للعالمين، قال الله له: “ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك”، فكيف بغيره؟”.
الفرق بين الغلو والورع
وواصل: إن الغلو في الدين هو تجاوز الحد المشروع، وهو أمر نهى عنه القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، مستدلًا بقوله تعالى:”لا تغلوا في دينكم”، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إياكم والغلو، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو”، مشيرًا إلى أن الغلو يشمل المغالاة في الأقوال أو الأفعال أو الأحكام، سواء في حق النفس أو في حق الآخرين.
ولفت إلى أن هناك فرقًا دقيقًا يجب فهمه بين الورع المشروع والغلو المنهي عنه، مشددًا على أن الورع الحقيقي هو ما يلزم به الإنسان نفسه فقط، دون أن يتعدى ذلك إلى الحكم على أفعال أو نيات الآخرين.
وأكمل: “الورع أن أمتنع عن أمر مباح تورعًا، دون أن أُنكر على غيري فعله أو أتهمه، أما من بالغ على نفسه وعلى الناس، فدخل في دائرة الغلو”.
وأكد أن الإنكار على الغير في المسائل التي فيها سعة واختلاف معتبر بين العلماء، ليس من الورع، بل قد يوقع الإنسان في المحظور إذا ما ترتب عليه تحريم ما أحله الله أو القدح في نيات الناس أو ديانتهم، وهو أمر شديد الخطورة، مشيرًا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “من قال هلك الناس، فهو أهلكهم أو أهلكهم”، أي أنه قد يكون أهلكهم بكلامه، أو أنه أول الهالكين.
الأحوطات الفقهية
وأشار الدكتور أحمد نبوي إلى أن البعض قد يظن أن تمسكه الزائد ببعض الأحوطات الفقهية هو من باب التقوى، بينما هو في الحقيقة سلوك متشدد إذا ما ترافق مع إطلاق الأحكام على الآخرين أو ازدراء أفعالهم.
وقال: “الورع أن تقول لنفسك: لا أفعل هذا، لكن لا تحكم على من فعله إذا كان فعله في إطار المباح أو المختلف فيه شرعًا”.
وختم أن الدين ليس بالتشدد وإنما بالفهم، وأن الالتزام الحقيقي لا يعني الانعزال أو إدانة المجتمع، وإنما يكون بالتوازن والرحمة واحترام تعدد الآراء الشرعية، والبعد عن الغلو الذي يؤدي إلى الانغلاق ورفض الآخر.