أعلنت الأمم المتحدة أنّ الهجمات الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة خلال اليومين الماضيين تسببت في نزوح قسري لأكثر من 40 ألف شخص، في وقت يتفاقم فيه الوضع الإنساني بوتيرة “تنذر بالانهيار الكامل”، وفق تعبير المتحدث باسم الأمين العام ستيفان دوجاريك.
وخلال مؤتمره الصحفي اليومي، أوضح دوجاريك أنّ الأوضاع في غزة “تزداد سوءاً كل ساعة”، لافتاً إلى أنّ الجيش الإسرائيلي أصدر أوامر إجلاء جديدة للسكان خلال الساعات الـ48 الماضية، ما دفع آلاف العائلات إلى الفرار جنوباً في ظروف بالغة القسوة.
وأضاف: “يمكنكم أن تتخيلوا الطرق المزدحمة بالنازحين، أشخاص جائعون وأطفال يعانون من صدمات نفسية قاسية، فيما يحاولون النجاة بأرواحهم”.
ووفقاً لبيانات الشركاء الميدانيين للأمم المتحدة الذين يراقبون حركة السكان، فقد اضطر نحو 40 ألف شخص إلى النزوح جنوباً يومي الاثنين والثلاثاء فقط.
ومنذ منتصف أغسطس، تجاوز عدد الفارين من مناطقهم 200 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، الذين قطعوا مسافات طويلة سيراً على الأقدام في ظل غياب وسائل النقل الآمنة.
وفي جانب آخر من المعاناة، حذر صندوق الأمم المتحدة للسكان من كارثة إنسانية تمس النساء الحوامل والأمهات، مشيراً إلى أن استمرار الهجمات دفع العديد منهن للولادة في الشوارع دون رعاية طبية أو حتى مياه نظيفة. وقدّر الصندوق أن هناك نحو 23 ألف امرأة محرومة من أبسط أشكال الرعاية، فيما يولد ما يقارب 15 طفلاً أسبوعياً دون أي مساعدة صحية.
ويقول مراقبون إن هذه الأرقام تعكس انهياراً شبه كامل للمنظومة الصحية في القطاع، حيث أغلقت عشرات المستشفيات أبوابها إما بسبب الاستهداف المباشر أو بسبب نفاد الوقود والإمدادات الطبية.
ويرى خبراء أن هذا الانهيار يضاعف من خطورة تفشي الأوبئة، خاصة مع تكدس مئات الآلاف في مناطق مكتظة وملاجئ تفتقر لأدنى مقومات الحياة.
سياسياً، طرح صحفيون تساؤلات حول تأثير استمرار التصعيد على اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المقررة الأسبوع المقبل، خصوصاً ما يتعلق بالمداولات المرتبطة بحل الدولتين.
ورداً على ذلك، أكد دوجاريك أنّ الأمين العام أنطونيو غوتيريش “يدرك تماماً أنّ استمرار القتال في غزة والوضع المتدهور في الضفة الغربية يبعداننا عن مسار حل الدولتين”، لكنه شدد على أنّ المنظمة الدولية “لن تسمح للوقائع الميدانية بأن تقوض جهودها أو آمالها في الوصول إلى مستقبل أكثر استقراراً وعدالة”.
ويرى محللون أنّ هذا الموقف يعكس إصرار الأمم المتحدة على التمسك بالإطار السياسي رغم المأساة الإنسانية، في محاولة للإبقاء على نافذة أمل دبلوماسية وسط واقع دموي يزداد تعقيداً، إلا أنّ آخرين يحذرون من أن الفجوة بين البيانات الدولية والواقع على الأرض آخذة في الاتساع، بما يهدد بتحويل الحديث عن الحلول السياسية إلى شعارات فارغة ما لم يترافق مع ضغط دولي فعلي لوقف النزيف الإنساني.