اجتمع عدد من علماء ورواد الجامع الأزهر، ضمن فعاليات “ملتقى التفسير” الأسبوعي، الذي خُصص هذه المرة للحديث عن «مظاهر الإعجاز في حديث القرآن عن خلق البحار.. وجعل بين البحرين حاجزًا».

 شارك في اللقاء الدكتور حمدي الهدهد، عميد كلية البنات الأزهرية بالعاشر من رمضان، والدكتور مصطفى إبراهيم، أستاذ بكلية العلوم بجامعة الأزهر، وأدار الحوار الإعلامي الدكتور محمد جمعة المذيع بإذاعة القرآن الكريم، بحضورٍ لافت من طلاب العلم والمهتمين بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم.

استهل الدكتور حمدي الهدهد كلمته بتوضيح أن إعجاز القرآن في حديثه عن البحار يتجلى في دقة نظمه وعمق بيانه، وأن كل ما توصل إليه العلم الحديث في هذا المجال لا يعدو كونه كشفًا جزئيًا لما أشار إليه الوحي الإلهي منذ قرون. 

وأشار إلى أن ورود ذكر البحار في أكثر من 140 موضعًا بالقرآن الكريم يعكس مدى ارتباط النص القرآني بالكون والخلق، مؤكدًا أن الهدف الأسمى من نزول القرآن هو التدبر في معانيه لا مجرد التلاوة، لأن التدبر هو السبيل لاكتشاف أسرار الإعجاز الكوني والبلاغي في آيات الله.

وأوضح الدكتور الهدهد أن استعمال الألفاظ القرآنية المتعلقة بالماء يأتي بدقةٍ علميةٍ مدهشة؛ فلفظ “النهر” اقترن دومًا بالماء العذب الطيب كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ﴾، بينما جاء لفظ “اليمّ” في سياقات الهلاك والعقاب كما في قوله تعالى: ﴿فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ﴾، أما لفظ “البحر” فهو أشمل وأعم، يجمع بين النفع والرهبة، بين العطاء والقدرة الإلهية التي لا يحدها حدّ.

 وبيّن أن الحواجز بين البحار التي أشار إليها القرآن مثل قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا﴾، تمثل أحد أبرز مظاهر الإعجاز العلمي الذي يؤكد وحدة الخالق وتفرده في صنعه، مشيرًا إلى أن هذه الظاهرة هي دعوة مباشرة للتأمل والإيمان بعظمة الخالق الذي نظم هذا الكون بميزانٍ دقيقٍ لا يختل.

من جانبه، تناول الدكتور مصطفى إبراهيم الجانب العلمي من الموضوع، موضحًا أن حديث القرآن عن البحار يمثل نموذجًا بديعًا للتكامل بين الإيمان والعلم، إذ تكرر ذكر البحار في نحو 140 آية تتحدث عن خصائصها، وأمواجها، ومكوناتها، وما يحيط بها من ظواهر طبيعية كالسواحل والتيارات.

 وأكد أن القرآن الكريم سبق العلماء في الإشارة إلى الحواجز المائية التي تفصل بين الكتل المائية رغم اتصالها الظاهري، كما جاء في قوله تعالى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ۝ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ﴾، وهو ما أثبتته الأبحاث الحديثة التي كشفت عن وجود مناطق فاصلة بين المياه العذبة والمالحة لا تختلط فيها الملوحة ولا تتغير الكثافة رغم الالتقاء.

وأضاف الدكتور مصطفى أن منطقة “مجمع البحرين” التي ورد ذكرها في سورة الكهف تُجسّد هذه الحقيقة القرآنية العجيبة، مشيرًا إلى أنها تتجلى بوضوح في موقع “رأس محمد” بشرم الشيخ، حيث يلتقي خليج السويس بخليج العقبة في مشهد طبيعي مهيب يُجسد الدقة المذهلة في وصف القرآن.

 كما أشار إلى أن هذه الظاهرة يمكن ملاحظتها في مصر عند رأس البر، حيث يلتقي نهر النيل العذب بالبحر المتوسط المالح دون أن يختلطا، فيبقى لكل منهما خصائصه المميزة من حيث الكائنات والملوحة والكثافة.

وفي ختام اللقاء، أوضح الدكتور عبد المنعم فؤاد، المشرف العام على الأنشطة العلمية للرواق الأزهري، أن الملتقى يمثل منصة مهمة لتعميق الوعي الديني والعلمي لدى رواد الجامع الأزهر، ولتشجيع التفكير التأملي في آيات الله الكونية.

 وأكد أن الأزهر الشريف يسعى من خلال هذه الملتقيات إلى إعادة إحياء فريضة التفكر التي دعا إليها القرآن الكريم، وربط المعرفة العلمية الحديثة بالمنهج الإيماني الذي أرسته رسالة الإسلام منذ فجرها الأول.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version