تواجه إسرائيل في هذه الأيام واحدة من أخطر أزماتها السياسية، حيث تلوح في الأفق احتمالات انهيار حكومة بنيامين نتنياهو، على خلفية أزمة تجنيد الحريديم في الجيش الإسرائيلي، وهي أزمة طالما تجنبتها الحكومات السابقة، لكنها أصبحت اليوم تهدد بإنهاء الائتلاف الحاكم، وفق تقرير نشرته صحف عبرية. 

ورغم فشلها الذريع في أحداث 7 أكتوبر، لا تزال الحكومة الحالية – وهي الحكومة السابعة والثلاثون في تاريخ إسرائيل – صامدة، بل تجاوزت مدة بقاء نحو 75% من الحكومات السابقة، وهو ما يثير الدهشة في ظل الاتهامات المتلاحقة وسقوط عشرات الآلاف من الضحايا وتدهور الثقة الشعبية.

ففي تاريخ إسرائيل، لم تكمل سوى ثلاث حكومات فترة ولاية كاملة: حكومة جولدا مائير (1969–1974)، مناحيم بيجن (1977–1981)، وحكومة نتنياهو الرابعة (2015–2020). والآن، تتجه الأنظار نحو ما إذا كانت الحكومة الحالية ستنضم إلى هذه القائمة النادرة أم ستنهار تحت وطأة التحديات الداخلية المتراكمة.

الشرارة التي تهدد بإسقاط الحكومة ليست جديدة، بل تتعلق بمسألة قديمة ومثيرة للانقسام: تجنيد الحريديم (اليهود المتشددين دينياً) في الجيش. فبينما يطالب الرأي العام بإنهاء الإعفاءات التي تمنح لعشرات الآلاف من طلاب المعاهد الدينية، تصر القيادة الحريدية على الإبقاء على الوضع القائم.

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 80,000 من الحريديم معفيون حالياً من الخدمة، في وقت يواجه فيه الجيش نقصاً حاداً في الأفراد، ويطالب بـ10,000 جندي إضافي لتلبية احتياجاته العملياتية. وبعد حكم المحكمة العليا في يونيو 2024 بإلغاء هذه الإعفاءات لعدم دستوريتها، أصبح لزاماً على الحكومة أن تتخذ قراراً، إما بتمرير قانون جديد يعيد الامتيازات، أو مواجهة موجة تجنيد غير مسبوقة.

ويحاول رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو احتواء الأزمة عبر سلسلة اجتماعات مع الأطراف المعنية، في محاولة لتجنب انهيار ائتلافه. لكن رئيس لجنة الخارجية والدفاع في الكنيست، يولي إدلشتاين، رفض تقديم أي تنازلات، مصراً على فرض عقوبات فردية على المتهربين من الخدمة وفرض حصص تجنيد مرتفعة على الحريديم، وهو موقف جر عليه انتقادات من داخل حزب “الليكود” نفسه.

من جانبهم، يهدد الحريديم بالانسحاب من الائتلاف إذا لم يتم تمرير قانون يرضيهم قبل انتهاء الدورة التشريعية الحالية. لكن التهديدات التي تكررت مراراً منذ رأس السنة العبرية، مروراً بحانوكا، والموازنة في مارس، وحتى عيد الأسابيع، لم تؤد إلى انسحاب فعلي، وهو ما أضعف مصداقيتهم أمام الجمهور، وحتى أمام قواعدهم الداخلية، خاصة في ظل البدء بتنفيذ عقوبات اقتصادية وتقييد سفر المحتجين على التجنيد.

مع تصاعد الأزمة، بدأت التحركات السياسية استعداداً لاحتمال انتخابات مبكرة. أبرز هذه التحركات عودة رئيس الوزراء الأسبق نفتالي بينيت، والذي تظهر استطلاعات الرأي – باستثناء قناة 14 الموالية لنتنياهو – أنه سيحقق فوزاً كبيراً حال ترشحه. 

وعلى الصعيد الأيديولوجي، أظهرت نتائج استطلاع أجرته شركة “مدجام” أن 66% من الإسرائيليين اليهود يعرفون أنفسهم بأنهم من اليمين أو اليمين-الوسط، فيما لا يتجاوز اليسار واليسار-الوسط نسبة 14%، ما سيؤثر بشكل واضح على استراتيجيات الأحزاب في أي انتخابات مقبلة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version