في مشهد هزّ الشارع المصري وفي مفاجأة لأهالي الإسكندرية، ألقت الأجهزة الرقابية القبض على اللواء حاتم زين العابدين وكيل أول وزارة رئيس مدينة المحلة الكبرى السابق رئيس حي شرق الإسكندرية حاليًا، بعد تورطه في قضايا رشوة وتربح واستغلال للنفوذ.
الواقعة، التي جمعت بين الدهشة والاستغراب، لم تكن حادثًا عابرًا، بل امتدادًا لمسلسل من التجاوزات والمخالفات التي ظلّت تتراكم حتى كشفتها الأجهزة الرقابية بالصوت والصورة.
بداية الخيط.. مقاول يزور خطابًا لجهة سيادية
موقع “صدى البلد” الإخباري حصل على مستندات وتفاصيل القضايا المتهم بها رئيس حي شرق الإسكندرية.
وتبدأ تفاصيل القضية حين اكتشفت الأجهزة الرقابية قيام أحد المقاولين بتزوير خطاب منسوب لإحدى الجهات السيادية بهدف الحصول على أعمال إنشائية في نطاق مدينة المحلة الكبرى.
وأثناء تتبّع الواقعة، كشفت التحريات تورط رئيس المدينة اللواء حاتم زين العابدين – في ذلك الوقت – في تسهيل تلك الإجراءات لصالح المقاول مقابل مبالغ مالية ضخمة.
وبعد عرض الأمر على النيابة العامة، تم استئذان النائب العام، لتسجيل اللقاءات بين المتهمين بالصوت والصورة، وهو ما أثبت بما لا يدع مجالًا للشك تورط المسؤول في وقائع رشوة وتربح واضحة.
تسهيلات بالملايين ورشاوى عبر الحسابات البنكية
وبحسب التحقيقات، فقد أظهرت التسجيلات اتفاق رئيس المدينة مع عدد من رجال الأعمال والمقاولين على إسناد مشروعات بالأمر المباشر وتسهيل صرف المستخلصات المالية لهم دون الالتزام بالإجراءات القانونية المعتادة.
في المقابل، كان يتقاضى نسبًا مالية ثابتة من قيمة تلك المشروعات.
وتوصلت الأجهزة الرقابية إلى تفاصيل دقيقة حول إحدى الوقائع، إذ قام أحد المقاولين بإيداع مبلغ 400 ألف جنيه في حساب زوجة اللواء حاتم زين العابدين في بنك التنمية الصناعية، مقابل تسهيل صرف مستخلصاته المتأخرة.
كما كشفت اللجان الرقابية أن جميع أعمال الرصف المنفذة في المدينة خالفت المواصفات الفنية المتفق عليها، وتسببت في خسائر قُدرت بنحو أربعة ملايين جنيه تحملتها موازنة الدولة.
فساد في مشروعات الرصف والمخلفات الصلبة
التحقيقات لم تتوقف عند حدود الرشاوى النقدية، بل امتدت إلى ملفات فنية أثارت الكثير من التساؤلات، أبرزها ملف مصنع تدوير المخلفات الصلبة بمدينة المحلة.
فقد تبين أن المصنع تعرض لعدة حرائق متتالية بعد تشغيله بفترة وجيزة، وتبيّن لاحقًا سرقة 20 موتورًا جديدًا كانت مخصصة لتشغيله.
ورغم تلك الكوارث، قام رئيس المدينة بإسناد إنشاء سور حول المصنع بالأمر المباشر إلى أحد المقاولين بالمخالفة للقانون، مما أدى إلى إهدار ملايين الجنيهات من المال العام.
انهيار واعترافات.. التحقيقات تكشف المستور
مصدر مسؤول بجهاز الرقابة الإدارية، أكد أن اللواء حاتم زين العابدين انهار أثناء التحقيقات واعترف بتفاصيل كثيرة عن الوقائع التي ارتكبها خلال فترة عمله.
كما تمت مواجهته بالتسجيلات والمكالمات الموثقة، إضافة إلى شهادات عدد من المقاولين الذين أكدوا تقديم رشاوى مالية وعينية له مقابل تمرير مشروعاتهم.
وأشار المصدر إلى أن التحقيقات لا تزال جارية، ومن المتوقع أن تشمل مسؤولين آخرين تورطوا بشكل مباشر أو غير مباشر في المخالفات التي جرت داخل نطاق مدينة المحلة الكبرى.
من المحلة إلى الإسكندرية.. طريق الصعود قبل السقوط
المفارقة أن هذه القضية لم تكن نهاية مسيرة اللواء حاتم زين العابدين فقط، بل كانت حلقة جديدة من سلسلة صعود مثيرة وجدلية.
فبعد فترة قصيرة من ابتعاده عن الأضواء، عاد إلى المشهد التنفيذي حين صدر قرار بتكليفه رئيسًا لحي شرق الإسكندرية ضمن حركة تغييرات محلية في يونيو 2025.
ولكن لم تمضِ سوى ساعات قليلة على تسلمه مهام منصبه الجديد حتى داهمت مباحث تنفيذ الأحكام مكتبه لتنفيذ حكم قضائي بالسجن المؤبد صادر ضده في قضية الرشوة السابقة.
لتتحول لحظة التعيين إلى فضيحة مدوية داخل أروقة محافظة الإسكندرية، وتضع علامات استفهام كبرى حول آليات اختيار القيادات التنفيذية في مصر.
سجل طويل من المناصب والمسؤوليات
اللواء حاتم زين العابدين لم يكن شخصية مغمورة في العمل الإداري؛ فقد بدأ مسيرته في محافظة الوادي الجديد كسكرتير عام، ثم تولى رئاسة مركز ومدينة المحلة الكبرى، وانتقل بعدها إلى الأقصر حيث شغل منصب السكرتير العام للمحافظة.
لاحقًا، انتقل إلى الإسكندرية وتقلد عددًا من المناصب المهمة منها:
• رئيس مركز ومدينة برج العرب.
• رئيس حي وسط الإسكندرية.
• رئيس الإدارة المركزية لتجميل المدينة.
وخلال هذه التنقلات، كان يحظى بثقة بعض القيادات، إلا أن تاريخه الوظيفي حمل ملفات فساد لم تُغلق بالكامل، لتعود لاحقًا وتطيح به من جديد.