في أعقاب بدء التشغيل الرسمي لسد النهضة الإثيوبي في 9 سبتمبر 2025، بطاقة إنتاجية تصل إلى 5,150 ميجاوات، عاد ملف النيل إلى الواجهة بقوة، وسط تصاعد المخاوف المصرية والسودانية من التداعيات المحتملة على حصصهما المائية، وما قد يترتب على الخطوة الإثيوبية من توترات إقليمية جديدة.

محمود عنبر: نهر النيل يعاني من الوفرة لا الندرة.. ومصر لن تسمح بفرض الأمر الواقع

قال الدكتور محمود عنبر، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية، في تصريحات صحفية خاصة لموقع صدى البلد إن قضية نهر النيل تختلف جذريًا عن باقي الأنهار الدولية حول العالم، مشيرًا إلى أن النهر لا يعاني من الندرة بل من الوفرة، حيث إن غالبية دول الحوض، وخاصة دول المنابع، تعتمد بشكل رئيسي على الأمطار التي توفر ما بين 70 إلى 80% من احتياجاتها الزراعية.

وأضاف عنبر: “حتى مع محاولات إثيوبيا إقامة مشروعات أو إنشاء سدود، فهي لا تمتلك القدرة الفنية على حجز كميات ضخمة من المياه بشكل يضر مصر بشكل دائم، كما أن فكرة تسعير المياه أو اعتبارها سلعة اقتصادية يمكن بيعها لدول المصب أمر غير واقعي وغير قابل للتطبيق على نهر النيل.”

وأكد أن اعتراض بعض دول المنابع على اتفاقيات 1929 و1959 بحجة أنها وقعت في زمن الاستعمار، لا يستند إلى أسس قانونية، موضحًا: “هذه الاتفاقيات لم تكن مجرد اتفاقيات مياه، بل شملت أيضًا ترسيم حدود، وبالتالي فإن الانتقائية في إلغائها أمر مرفوض.”

وشدد عنبر على أن مصر لم تقف يومًا ضد التنمية في إثيوبيا أو غيرها من دول الحوض، قائلاً: “الادعاء بأن القاهرة تعرقل التنمية الإثيوبية مغالطة كبيرة، فمصر وقعت على اتفاق إعلان المبادئ في 2015 رغم مخالفته لقاعدة الإخطار المسبق، وأبدت استعدادها للمشاركة في إدارة السد بما يحقق مصالح الجميع دون إضرار بحقوقها المائية.”

وتابع: “إثيوبيا حاولت مرارًا تصوير نفسها كضحية في مواجهة مصر، بدعم أطراف خارجية، لكن الواقع أثبت فشل هذه الرواية، وحتى اليوم، ما وعدت به الحكومة الإثيوبية شعبها من تنمية وكهرباء لم يتحقق بالشكل المعلن، وهو ما سيضعها في موقف حرج أمام الداخل الإثيوبي.”

وأوضح عنبر أن الدولة المصرية تعاملت مع الأزمة بحكمة، قائلًا: “مصر لم تنجر وراء دعوات التصعيد العسكري أو استهداف السد، بل التزمت بالمسار الدبلوماسي والقانوني عبر مجلس الأمن والهيئات الدولية، حفاظًا على صورتها ودورها الأفريقي.”

واختتم تصريحاته بالتأكيد على أن مصر تنظر إلى علاقاتها مع دول حوض النيل كعلاقات مصيرية لا يمكن التفريط فيها: “القاهرة تؤمن بفكرة التعاون المشترك، وتعتز بانتمائها الأفريقي كما ورد في الدستور، ومصالحها في حوض النيل مصالح وجودية، لكنها في الوقت نفسه لن تسمح بأي مساس بحقوقها التاريخية في مياه النيل.”

 

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version