عقدت إدارة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، ندوة مساء اليوم /السبت/، لتكريم المسرحي والأكاديمي المصري الكبير الراحل د. هناء عبد الفتاح، وذلك ضمن محور “رد الجميل”، بمشاركة د. مدحت الكاشف، د. عبير فوزي وحفيدته أمينة، وأدارت الجلسة الدكتورة إنجي البستاوي.
وعبرت الدكتورة إنجي البستاوي، مدير مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، عن سعادتها البالغة بمشاركتها ضمن فعاليات المهرجان التجريبي هذا العام، مؤكدة أن التجربة تحمل لها طابعا خاصا وذكريات مهمة.
وأشارت إلى أنه من مفارقات القدر أن أول مرة حضرت فيها المهرجان التجريبي كانت من خلال عرض “دون كيشوت” الذي قدّمه الدكتور هناء عبد الفتاح، وكانت تلك هي البداية الحقيقية لعلاقتها بالدكتور هناء وبالحركة المسرحية العالمية التي كان يفتح لها أبوابها.
وأضافت الدكتورة إنجي البستاوي أن المهرجان التجريبي يمثّل لها كجيل مسرحي شاب منبعا أساسيا للتكوين والوعي، حيث أتاح الفرصة للاطلاع على ترجمات وإصدارات مهمة، كما فتح آفاقا واسعة من خلال العروض المسرحية التي استضافها، وهو ما أسهم في تكوين شخصيتها الفنية والأكاديمية.
واختتمت البستاوي حديثها قائلة: “اليوم، ونحن نتحدث عن الدكتور هناء عبد الفتاح، أحد كبار أساتذة التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية، أشعر بالفخر لأنني أنتمي لهيئة التدريس بالمعهد نفسه، وأحمل بعضا من إرثه وقيمه الفنية والإنسانية التي لا تزال تلهمنا جميعا”.
من جانبه، أعرب الدكتور مدحت الكاشف، العميد الأسبق للمعهد العالي للفنون المسرحي، عن سعادته بالمشاركة في اللقاء للحديث عن الراحل هناء عبد الفتاح، والذي ربطته به علاقة وطيدة، مشيرا إلى أنه عندما يعود بذاكرته إلى الوراء، يكتشف ملامح لم يكن يلتفت إليها في حياته، لكن بعد رحيله بدأ الجميع يدرك حقا معنى أن يكون المرء رجل مسرح، وهي صفة لا تمنح إلا لقلة من المسرحيين في العالم، ممن يجمعون في شخصهم بين الفكر والفلسفة والإبداع والإخراج والتمثيل، وهذا ما تفرد به هناء عبد الفتاح”.
وأضاف: “في المسرح العربي كان يوسف وهبي وسعد أردش من أبرز من جسدوا هذا المعنى، ثم أصبحنا أكثر تحفظا في إطلاق هذا الوصف على الأجيال التالية، غير أن الدكتور هناء عبد الفتاح ينتمي بحق إلى جيل الرواد، ويستحق أن يوسم بوسام المسرح، لما تركه من فكر وفلسفة وعطاء إبداعي.
وأضاف: “عندما اقتربت من الدكتور هناء عبد الفتاح، وجدت إنسانا شديد التواضع، وهي سمة العلماء الكبار، حيث بدأ التمثيل منذ طفولته، بالمشاركة في الفيلم الشهير الفتوة مع الفنان فريد شوقي، فنشأ نشأة فنية استثنائية، وكان ابنا لأحد أهم نجوم الإذاعة المصرية في عصرها الذهبي، وهو ما منح مسيرته جذورا راسخة وتجربة فنية متفردة”.
من ناحيتها، أكدت الدكتورة عبير فوزي، رئيس قسم التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية، أن المهرجان يمثّل بالنسبة لجيلها قيمة كبيرة، قائلة: “نشأنا وتربّينا من خلاله، وكنت قد شاركت في أولى دوراته ممثلة في مسرحية الطوق والإسورة، واليوم أشعر بسعادة خاصة لكوني أشارك في ندوة عن أستاذي الدكتور هناء عبد الفتاح، تلك القامة العلمية والإنسانية التي أدين لها بالكثير”.
وأضافت: “كانت علاقتي بالدكتور هناء عبد الفتاح علاقة علمية وإنسانية عميقة، حيث كنت طالبة وهو أستاذ كبير بالمعهد، وتتلمذت على يديه، وتعلمت منه كيف يوجه الطالب ويحتويه، وكان دائما في عروضه الفنية يبحث عن الدوافع الإنسانية العميقة وراء الأداء، كما تشرفت بأن يناقشني في رسالة الماجستير، وهناك بدأت مرحلة جديدة من علاقتنا البحثية، وأدركت حينها كم كان الدكتور هناء حريصا على طلابه، حيث فوجئت بأن لديه مجموعة من الخطط البحثية، وكان يطلب من كل من يرغب في إشرافه أن يعرض خطته عليّ أولًا ليستمع إلى رأيي، وهو ما منحني خبرة مضاعفة، وتعلمت منه أضعاف ما تعلمته خلال سنوات الدراسة. وعندما شرعت في اختيار موضوع الدكتوراة، اقترح علي أن أتناول أثر المالتيميديا على الممثل، لكن للأسف لم يسعفه العمر ليستكمل معي رحلة الإشراف، غير أنه حتى آخر لحظة كان يستقبلني في منزله لنراجع معا الخطة ويدققها معي، وقد عمل معي على مدار عامين كاملين بكل حب وإخلاص.
وقالت أمينة، حفيدة الدكتور هناء عبد الفتاح: إنه رغم أنني لا أنتمي إلى خلفية مسرحية، فإنني كمصممة جرافيك، قررت أن يكون مشروع البكالوريوس الخاص بي عن جدي، لأكشف جانبا ربما لا يعرفه كثيرون، فهو لم يكن مجرد ممثل بارع، بل موسوعة كبيرة وملهما في عالم المسرح، ومن خلال البحث اكتشفت أيضا بعده الإنساني، فقد كان إنسانا ملهما بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
وأضافت: “توفي جدي وأنا في التاسعة من عمري، لكنه ترك في نفسي أثرا كبيرا ظل ملازمني حتى قررت أن أخصص مشروع تخرجي للحديث عنه وكان هدفي من الكتاب أن أقول للناس: انظروا ماذا قدم هذا الرجل للمسرح، حيث بدأ جدي مسيرته من الإذاعة، ثم انطلق إلى المسرح، وترك فيّ حبا عميقا لهذا الفن وشعورا بالانتماء إليه، حتى وإن لم أكن جزءا مباشرا من مجاله، إلا أن أثره الإنساني والفني سيبقى محفورا في وجداني إلى الأبد”.