تعيش القضية الفلسطينية لحظة فارقة مع الإعلان عن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة، والتي أثارت جدلاً واسعًا على المستويين الإقليمي والدولي. ففي وقت تميل فيه بعض الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، إلى إبداء مرونة تجاه المبادرة، برزت أصوات تكشف عن جذور مصرية للخطة، باعتبار القاهرة صاحبة الرؤية الأساسية لوقف إطلاق النار وحماية الشعب الفلسطيني. وبين الانتظار والتردد، يبقى المشهد محكومًا بمهلة قصيرة قد تحدد مستقبل غزة والمنطقة بأكملها.
حماس بين التحفظ والموافقة المشروطة
بحسب مصادر متعددة، فإن حركة حماس وفصائل فلسطينية أخرى باتت أقرب إلى قبول الخطة الأمريكية التي أعلنها ترامب من البيت الأبيض إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ونقلت شبكة سي بي إس نيوز عن مصادر مطلعة أن الحركة تدرس الرد، وربما تقدمه للوسطاء خلال أيام.
إلا أن القبول، وفق تسريبات، ليس مطلقًا؛ حيث طلبت الحركة من الوسيط القطري توضيحات حول عدة نقاط أساسية، أبرزها: ضمان عدم استئناف الحرب بعد تسليم الرهائن الإسرائيليين، وتحديد جدول زمني واضح لانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، بالإضافة إلى ضمانات بعدم التعرض لقادة الحركة في الخارج.
ترامب يلوّح بالمهلة الأخيرة
في مؤتمر صحفي، شدد ترامب على أن الكرة الآن في ملعب حماس، قائلاً: “ننتظر موافقتها على مقترحات السلام.. لديهم ثلاثة أو أربعة أيام فقط للرد”. وأضاف ملوحًا بتهديد مبطن: “إذا لم تستجب حماس، فستكون هناك نهاية غير سعيدة”.
ولخص ترامب جوهر خطته في كلمات مقتضبة: “نريد استعادة الرهائن ونريد سلوكًا جيدًا من حماس.. الأمر بسيط.. نحن نسعى إلى السلام في الشرق الأوسط”.
ملامح الخطة.. 20 بندًا مثيرًا للجدل
تضمنت الخطة التي وُصفت بأنها “شاملة” عشرين بندًا، أبرزها:
وقف سريع لإطلاق النار في غزة.
الإفراج عن جميع الرهائن الإسرائيليين لدى الفصائل الفلسطينية مقابل إطلاق عدد من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
زيادة تدفق المساعدات الإنسانية للقطاع المنهك بالحرب.
نقل إدارة غزة إلى سلطة انتقالية من التكنوقراط الفلسطينيين تحت إشراف مجلس سلام دولي برئاسة ترامب، ويضم أسماء بارزة مثل توني بلير، فيما تحتفظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية على محيط القطاع.
موقف السلطة الفلسطينية.. ترحيب مشروط
رحبت السلطة الفلسطينية بالخطة، مؤكدة على “أهمية الشراكة مع الولايات المتحدة في تحقيق السلام بالمنطقة”. وأوضحت في بيانها: “نرغب في إقامة دولة فلسطينية حديثة، ديمقراطية، غير مسلحة، ملتزمة بالتعددية والتداول السلمي للسلطة”.
ورغم هذا الترحيب، لم تمنح الخطة السلطة دورًا فوريًا في إدارة غزة، لكنها فتحت الباب أمامها لاستعادة السيطرة على القطاع بعد تنفيذ إصلاحات سياسية وإدارية.
جذور مصرية لخطة السلام
في خضم الجدل، كشف اللواء سمير فرج، الخبير الاستراتيجي، أن خطة ترامب لوقف الحرب في غزة لم تكن وليدة اللحظة، بل جاءت استنادًا إلى مقترح مصري طُرح قبل عام من وصوله إلى البيت الأبيض.
وأوضح فرج أن المبادرة تحمل بصمة واضحة للدور المصري المعروف بدعمه المستمر للقضية الفلسطينية، مؤكدًا أن القاهرة كانت صاحبة التصور الأساسي لهذه الخطة، التي تهدف بالأساس إلى حماية الشعب الفلسطيني من التهجير وضمان استمرار وجوده على أرضه.
وأشار إلى أن الخطة تتضمن: وقف إطلاق النار الفوري، رفض تهجير الفلسطينيين باعتباره خطًا أحمر، إدخال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل، وإعادة إعمار غزة لصالح أهلها.
مهلة حاسمة لحماس
أكد فرج أن ترامب منح حماس أربعة أيام فقط لاتخاذ القرار بشأن الخطة، مشيرًا إلى أن ضيق الوقت يعكس أهمية اللحظة وكونها قد تحدد ملامح مرحلة جديدة من السلام.
بين الأمل والشكوك
تحمل المبادرة مزيجًا من الطموحات والتحديات؛ فبينما تراها بعض الأطراف فرصة لالتقاط أنفاس الفلسطينيين، ينظر إليها آخرون بريبة باعتبارها تبقي إسرائيل ممسكة بزمام الأمن وتقيد سيادة الفلسطينيين.
ومع ذلك، تظل مصر حجر الزاوية، إذ أثبتت مجددًا أن أي سلام حقيقي في غزة لا يمكن أن يُكتب له النجاح من دون رعاية القاهرة.
ويبقى السؤال: هل ستوافق حماس على الخطة لتفتح صفحة جديدة في تاريخ القضية الفلسطينية، أم أن المنطقة ستدخل في جولة جديدة من الدماء والدمار؟