شهد مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في دورته الخامسة حضوراً لافتاً للأطفال، ليس كضيوف شرف فحسب، بل كأبطال رئيسيين في أفلام تعكس واقعهم وتطلعاتهم، أو تلك التي تستلهم حكاياتهم من الماضي. هذا العام، سلطت الأفلام المشاركة الضوء على تجارب أطفال متنوعة، من السعودية إلى كوريا الجنوبية، مروراً بفلسطين ولبنان والصين وماليزيا. واستكشف المهرجان، من خلال هذه الأفلام، قضايا معقدة تتعلق بالنشأة والهوية والصدمات المجتمعية، وتأثيرها على براءة الطفولة.

العديد من هذه الأفلام أظهرت كيف يمكن للأطفال أن يكونوا بمثابة مرآة تعكس قسوة العالم أو جماله، وكيف أنهم يتوقون إلى مستقبل أفضل، أو يحاولون التشبث ببقايا ماضٍ جميل. هذه الأفلام ليست مجرد قصص ترفيهية، بل هي دعوة للتأمل في وضع الطفل في عالمنا، وفي مسؤوليتنا تجاه حماية حقوقه وتوفير بيئة آمنة وسليمة له.

الطفل والكبير: تأملات في دورة البحر الأحمر السينمائية

من بين أبرز الأفلام التي تناولت هذه القضايا، فيلم “يونان” الذي حاز على جائزتي أفضل إخراج وأفضل ممثل. يصور الفيلم حالة من العزلة الوجودية التي يعيشها بطل الرواية، منير نور الدين، وهو روائي لبناني مهاجر. ليست معركته مع مرض جسدي، بل صراع داخلي يعيق قدرته على الحب والكتابة والحياة نفسها.

يعود الفيلم إلى حكاية قديمة، حكاية النبي يونس، ليطرح تساؤلات حول العودة إلى الذات وإلى الجذور. منير، في جوهر شخصيته، يبقى طفلاً كبيراً، يعيش في عالم الكبار المخيف، لكنه يتشبث بذكريات الطفولة لمحاولة فهم هذا العالم. حكاية والدته، التي تعاني من فقدان الذاكرة ولكنها لا تنسى قصة الراعي الغريبة، تظل عالقة في ذهنه، وتزيد من حدة عزلته وشوقه إلى براءة الطفولة.

رحلة بحث عن الذات والماضي

فيلم “يونان” لا يقدم حلولاً بسيطة أو إجابات جاهزة، بل يقدم استكشافاً شعرياً ومعقداً للعلاقة بين الماضي والحاضر، بين الذات والآخرين. يستخدم الفيلم المجازات والرمزيات بشكل مكثف، ليترك للمشاهد حرية تفسير المعاني والتأمل في الرموز. فالعودة إلى البحر ليست مجرد هروب من الواقع، بل هي رحلة بحث عن الذات وعن معنى الحياة.

وبشكل مماثل، يستكشف الفيلم الكوري الجنوبي “عالم الحب” صراعات المراهقة والألم الناتج عن الصدمات، من خلال شخصية جي-إن، التي تتساءل عن سبب ما حدث لها في طفولتها. تتأرجح جي-إن بين رغبتها في التجربة والحرية، وخوفها من الماضي وآثاره المدمرة. الفيلم يطرح أسئلة صعبة حول العنف الجنسي وتأثيره على حياة الضحايا.

أفلام أخرى ترسم ملامح الطفولة

لم يقتصر المهرجان على هذين الفيلمين، بل قدم أيضاً أعمالاً أخرى تناولت قضايا الطفولة من زوايا مختلفة. فيلم “هجرة” للمخرجة شهد أمين، يركز على قصة فتاة صغيرة تعيش في السعودية في فترة التحولات الاجتماعية والسياسية. تتعرض الفتاة لمجموعة من التحديات والصعوبات، التي تهدد براءتها وتسرق طفولتها.

فيلم “أرض ضائعة” يروي قصة طفلين ميانماريين يفران من الحرب والاضطهاد إلى ماليزيا، بحثاً عن حياة أفضل. الطفلان يواجهان صعوبات جمة في رحلتهما، لكنهما يظلان متمسكين بالأمل والإيمان بمستقبل مشرق. الفيلم يسلط الضوء على قضية اللاجئين والأطفال المتضررين من النزاعات المسلحة.

كما قدم فيلم “نجوم الأمل والألم” قصة أطفال لبنان الذين ولدوا في خضم الحرب الأهلية، وكيف تأثرت حياتهم بهذه الحرب. الفيلم يركز على قصة طفلين يجمعهما القدر في المستشفى، ولكن الحرب تفصلهما. الفيلم يطرح تساؤلات حول الهوية والانتماء، وكيف يمكن للأطفال أن يحافظوا على براءتهم في عالم مليء بالعنف والدمار. تكرر هذه الأفلام أهمية حماية الطفولة بوصفها مرحلة حاسمة في تشكيل الهوية والمستقبل.

بشكل عام، مثلت دورة هذا العام من مهرجان البحر الأحمر السينمائي فرصة لتقديم أعمال سينمائية جريئة ومبتكرة، تتناول قضايا طفولة معقدة وحساسة، وتدعو إلى التفكير والتعاطف مع الأطفال في جميع أنحاء العالم.

من المتوقع أن تستمر هذه الأفلام في إثارة النقاش والتفاعل، وأن تلقي الضوء على أهمية حماية حقوق الأطفال وتوفير بيئة آمنة وسليمة لهم. ويجب أن تكون هذه الأفلام بمثابة نقطة انطلاق لجهود أكبر تهدف إلى تحسين حياة الأطفال في المنطقة والعالم، وتعزيز مستقبلهم.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version