بدأت الأسهم الأمريكية شهر ديسمبر، الذي يُعتبر تقليدياً من أقوى الشهور في بورصة “وول ستريت”، بتراجعات طفيفة. يأتي هذا التراجع وسط حذر من المستثمرين تجاه القطاعات ذات المخاطر العالية، بالتزامن مع موجة بيع في سوق العملات المشفرة. وقد امتدت المخاوف أيضاً إلى سوق السندات اليابانية، مما أثر على الأسواق العالمية.
يأتي هذا التحول في المعنويات بعد سلسلة مكاسب قوية شهدها شهر نوفمبر دفعت مؤشر “إس آند بي 500” إلى تسجيل أطول سلسلة ارتفاعات شهرية منذ عام 2021. وانخفض مؤشر “راسل 2000” للشركات الصغيرة بأكثر من 1%، بينما شهدت العملات المشفرة تصفية مراكز بقيمة تقارب المليار دولار، مما أدى إلى هبوط سعر “بيتكوين” إلى حوالي 85 ألف دولار.
تراجع شهية المخاطرة وترقب بيانات اقتصادية مهمة
على الرغم من تراجع الإقبال على المخاطرة، إلا أن سندات الخزانة الأمريكية بدأت الأسبوع بضعف، مدفوعة بارتفاع عوائد السندات اليابانية بعد تصريحات مسؤولي البنك المركزي الياباني التي أشارت إلى إمكانية رفع أسعار الفائدة. يعكس هذا التذبذب في الأسواق حالة من عدم اليقين بشأن مسار السياسة النقدية.
يأتي هذا التراجع بعد أن أنهى المستثمرون شهر نوفمبر بمكاسب، مدفوعين بتوقعات متزايدة بأن الاحتياطي الفيدرالي قد يكون أقرب إلى تخفيف سياسته النقدية في الاجتماع القادم. ومع ذلك، يراقب السوق عن كثب البيانات الاقتصادية القادمة لتقييم هذه التوقعات.
صرح كايل رودا من “كابيتال دوت كوم” بأن “هناك بعض النفور من المخاطرة يتسلّل إلى الأسواق في بداية الأسبوع، لكنه يبدو غير مقلق في الوقت الحالي ولا يستند إلى محفزات أساسية قوية”.
بيانات التضخم والتوظيف في دائرة الضوء
خلال هذا الأسبوع، سيحصل مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي على بيانات مهمة حول التضخم، قبل اتخاذ قرار بشأن أسعار الفائدة في اجتماعهم الأسبوع المقبل. من المتوقع أن تُظهر البيانات ثبات الضغوط التضخمية، لكن التركيز الأكبر سيكون على أرقام سوق العمل.
تراجعت الأسهم الأمريكية لفترة وجيزة إلى ما دون 6800 نقطة، قبل أن تتعافى وتغلق فوق هذا المستوى بقليل. أظهرت أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى أداءً متبايناً، مع انخفاض أسهم “الفابت” وارتفاع أسهم “إنفيديا”، بينما استفادت شركات الطاقة من ارتفاع أسعار النفط.
ارتفع العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بمقدار 8 نقاط أساس ليصل إلى 4.09٪، في حين شهد الدولار تقلبات طفيفة. تشير هذه التغيرات في السوق إلى حساسية المستثمرين لأي إشارات جديدة حول مستقبل السياسة النقدية.
تباطؤ النشاط الصناعي وتأثيره المحتمل
أظهرت بيانات صادرة هذا الإثنين انكماشاً في النشاط الصناعي الأمريكي، مسجلاً أكبر وتيرة انخفاض في أربعة أشهر. وتعتبر هذه البيانات مؤشراً إضافياً على تباطؤ النمو الاقتصادي. إضافة إلى بيانات التضخم، من المتوقع صدور أرقام التوظيف في القطاع الخاص من “إيه دي بي” وقراءة أولية لمؤشر ثقة المستهلك لشهر ديسمبر هذا الأسبوع.
ومع ذلك، بحسب فؤاد رزاق زاده من “فوركس دوت كوم”، فإن البيانات الرئيسية، مثل تقرير الوظائف الشهري، لن تصدر إلا بعد قرار الفائدة في ديسمبر، مما “يقلل بشكل كبير من قدرة هذا الأسبوع على إحداث مفاجآت جوهرية في توقعات خفض الفائدة”.
ترى أولريكه هوفمان-بورخاردت من “يو بي إس” لإدارة الثروات العالمية أن “الأداء التاريخي للأسهم كان الأفضل عندما لا يكون الاقتصاد في حالة ركود ويكون الاحتياطي الفيدرالي في مسار خفض أسعار الفائدة”. وتضيف أن البيانات الحالية تشير إلى أن الفيدرالي قد يقرر خفضاً بمقدار 25 نقطة أساس.
وتشير هوفمان-بورخاردت أيضاً إلى أن فترة الضعف الحالية للاقتصاد الأمريكي تبدو مؤقتة، وأن النمو العالمي من المرجح أن يتسارع في عام 2026. كما تؤكد على أن “التوقعات القوية لنمو الأرباح يجب أن تدعم المزيد من المكاسب في الأسهم”، مشيرة إلى أن تقديرات نمو الأرباح في الأسواق الرئيسية للعام المقبل تتراوح بين 7٪ و 14٪.
نظرة تاريخية على أداء الأسهم في شهر ديسمبر
تاريخياً، يتميز شهر ديسمبر بأداء إيجابي للأسهم الأمريكية. فمنذ عام 1990، حقق مؤشر “إس آند بي 500” ثاني أفضل متوسط عائد في شهر ديسمبر، بالإضافة إلى أدنى مستوى للتقلبات وأعلى معدل تكرار للمكاسب، وفقاً لسام ستوفال من “سي إف آر إيه”.
ومع ذلك، يلاحظ آدم تورنكويست من “إل بي إل فاينانشال” أن قوة أداء ديسمبر عادة ما تظهر في النصف الثاني من الشهر. فمنذ عام 1950، حقق “إس آند بي 500” متوسط مكسب قدره 1.4٪ في ديسمبر، وأنهى الشهر على ارتفاع في 73٪ من الحالات.
وبالنظر إلى أداء المؤشر منذ عام 1928، فإن السنوات التي يبدأ فيها “إس آند بي 500” شهر ديسمبر وهو مرتفع بأكثر من 10٪ (كما هو الحال هذا العام)، شهدت تاريخياً أقوى مكاسب في شهر ديسمبر، بمتوسط يزيد عن 2٪، وفقاً لـ “بيسبوك إنسفستمنت غروب”.
واختتم مارك هاكيت من “نايشن وايد” حديثه قائلاً إن “العوامل الموسمية، والإنفاق الاستهلاكي القوي على الرغم من المعنويات السلبية، وتموضع المحافظ في نهاية العام، كلها عوامل تشير إلى احتمال حدوث موجة صعود في هذا العام، على الأرجح في النصف الثاني من الشهر”.
من المتوقع أن يواصل المستثمرون مراقبة البيانات الاقتصادية الواردة، وعلى رأسها تقرير التضخم وتقارير سوق العمل، لتقييم مسار السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي. لا يزال من غير الواضح ما إذا كان التراجع الحالي في الأسواق سيكون مؤشراً على اتجاه طويل الأمد، أم مجرد تصحيح مؤقت قبل استئناف المكاسب في النصف الثاني من ديسمبر.

