من المتوقع أن يشهد الاقتصاد الفرنسي نمواً بنسبة 0.8% على الأقل خلال عام 2025، وفقاً لتصريحات وزير المالية رولان ليسكور يوم الأحد. هذا التوقع يتجاوز قليلاً تقديرات الحكومة السابقة التي كانت تشير إلى نمو بنسبة 0.7%. يأتي هذا التصريح في وقت تسعى فيه الحكومة الفرنسية لتأكيد استقرارها المالي وتجنب المزيد من الاضطرابات السياسية.
أشار ليسكور إلى أن أداء الاقتصاد في الربع الثالث كان قوياً جداً، مما يقلل من احتمالية تباطؤ النمو إلى أقل من 0.8%، إلا في حالة حدوث تراجع حاد وغير متوقع في الربع الرابع. ويعكس هذا التفاؤل انتعاشاً ملحوظاً في النشاط الاقتصادي، خاصةً بعد فترة من عدم اليقين السياسي.
الاقتصاد الفرنسي وتجاوز التحديات السياسية
يبدو أن الاقتصاد الفرنسي قد نجح في تجاوز الآثار السلبية للعواصف السياسية التي شهدتها البلاد في العام الماضي. هذه الاضطرابات أطاحت بعدة حكومات وأثارت شكوكاً واسعة النطاق حول قدرة أي إدارة على السيطرة على العجز المالي المتزايد. النمو في الناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث بلغ 0.5%، متفوقاً على توقعات معظم المحللين الاقتصاديين، ومضاعفاً معدل النمو في منطقة اليورو التي تضم 20 دولة.
يعزى هذا النمو بشكل رئيسي إلى تحسن الأداء في قطاعي التجارة والاستثمار، على الرغم من تزايد حالة عدم اليقين بين أوساط رجال الأعمال. وقد ساهمت عوامل خارجية أيضاً في دعم الاقتصاد الفرنسي، مثل ارتفاع الطلب العالمي على بعض المنتجات الفرنسية.
مؤشرات إيجابية في النشاط التجاري
أظهرت بيانات حديثة نمو النشاط التجاري في فرنسا خلال شهر نوفمبر، وهو أول نمو منذ أكثر من عام. ويعزى هذا التحسن بشكل كبير إلى قوة قطاع الخدمات، الذي شهد زيادة في الطلب على الخدمات المختلفة. إلا أن هذه المؤشرات الأولية كانت قد أشارت في البداية إلى ركود في النشاط التجاري، مما يدل على التقلبات التي يشهدها الاقتصاد.
بالتزامن مع ذلك، يواجه المالية العامة الفرنسية تحديات كبيرة، حيث تسعى الحكومة إلى تحقيق التوازن بين خفض الإنفاق وزيادة الإيرادات. ويعتبر هذا التحدي أكثر صعوبة في ظل وجود معارضة برلمانية قوية ترفض العديد من الإجراءات المقترحة.
سباق لإقرار الميزانية الفرنسية
يواجه رئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو تحدياً كبيراً في إقرار ميزانية عام 2026 قبل نهاية العام الحالي. هذا السباق مع الزمن يأتي في ظل وجود برلمان منقسم، مما يتطلب جهوداً مضاعفة للتفاوض والتوصل إلى توافق مع الأحزاب المعارضة. إقرار الميزانية يعتبر خطوة حاسمة لتحقيق الاستقرار المالي في البلاد.
حققت الحكومة انتصاراً محدوداً يوم الجمعة عندما وافقت الجمعية الوطنية على تسوية بشأن جزء من الميزانية. ولكن لا يزال هناك الكثير من العمل لإتمام خطة الإنفاق بالكامل. ومن المقرر أن يتم التصويت على الجزء المتعلق بالضمان الاجتماعي يوم الثلاثاء القادم، ومن ثم سيتم التصويت على الخطة المالية الكاملة في وقت لاحق من الشهر.
الفشل في إقرار الميزانية قد يؤدي إلى تفاقم العجز المالي، وتقويض استراتيجية الحكومة الرامية إلى تحقيق التوازن في المالية العامة. كما أنه قد يزيد من احتمالية حدوث أزمة سياسية جديدة، ويدفع البلاد نحو انتخابات مبكرة. تعتبر هذه القضية ذات أهمية حيوية لالاستثمار في فرنسا وتوجهات النمو المستقبلي.
بالإضافة إلى ذلك، تلقت فرنسا تحذيرات متتالية بشأن أوضاعها المالية من وكالات التصنيف الائتماني، مثل “موديز”. هذه التحذيرات تزيد من الضغوط على الحكومة لاتخاذ إجراءات حاسمة لمعالجة العجز المالي. وتشير التقارير إلى أن الدين العام الفرنسي قد يصل إلى مستويات قياسية في السنوات القادمة.
في الختام، يظل الوضع الاقتصادي والمالي في فرنسا معقداً، ويخضع لتقلبات سياسية واقتصادية. من المتوقع أن تشهد الأسابيع القادمة مزيداً من المناورات والتفاوضات حول الميزانية، وأن تتركز الأنظار على قدرة الحكومة على تحقيق التوافق مع المعارضة. يجب مراقبة تطورات هذا الوضع عن كثب، وخاصةً مع اقتراب موعد التصويت على الخطة المالية الكاملة، وما قد ينتج عنه من تبعات على النمو الاقتصادي الفرنسي.

