|

سلط المراسل العسكري لصحيفة معاريف، آفي أشكنازي، الضوء على الوضع الميداني والقيادي المتأزم الذي تمر به إسرائيل بعد مرور 653 يوما على بدء حربها في قطاع غزة، مؤكدا أن إسرائيل ليست قريبة من تحقيق أي نصر، بل إن الطريق إلى ذلك يبدو أبعد من أي وقت مضى، ودعا للوقف الفوري للحرب على غزة.

واستعرض أشكنازي في مقاله جملة من المعطيات الصعبة التي تؤشر إلى عمق المأزق الإسرائيلي. وافتتح مقاله بأرقام ثقيلة قائلا: “قُتل 1928 مدنيا وجنديا، منهم 893 مقاتلا سقطوا في المعركة، وآلاف آخرون أصيبوا بجروح جسدية ونفسية”.

وأضاف “هكذا يبدو غروب الشمس في وحل غزة”، في إشارة إلى الإحباط الواسع الذي يسود صفوف الجيش والمجتمع الإسرائيلي معا.

ورغم إشارته إلى “إنجازات تكتيكية” حققها الجيش الإسرائيلي في غزة، فإنه شدد على أن إسرائيل لا تقترب من تحقيق الهدف السياسي المعلن، وقال: “لقد حان الوقت للقول إن إسرائيل تنجح في تحقيق مكاسب تكتيكية في حرب غزة، لكنها ليست بعيدة عن النصر وحسب، بل أبعد من ذلك بكثير”، محملا المسؤولية عن الإخفاقات للقيادة السياسية وعلى رأسها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لا للجيش نفسه.

فشل سياسي.. والجيش بلا خطة أو هدف

واتهم المراسل العسكري المستوى السياسي بالفشل في اتخاذ القرارات الحاسمة، وكتب أن “المشكلة في النتائج الصعبة لا تكمن في سلوك الجيش، بل في سلوك المستوى السياسي”. ولكنه قال إن التاريخ تُعاد كتابته الآن لكي تتم تبرئة السياسيين وإلقاء اللوم على العسكريين، بدءا من رؤساء الأركان وقادة الفرق، وحتى رؤساء الأجهزة الأمنية الذين سيتهمون بأنهم فشلوا في وضع خطة ذات مغزى.

وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي لا يزال يعتمد على نموذج الحروب القصيرة التي تعتمد على “قوة نيران هائلة ومناورات قصيرة وفعالة”، إلا أن هذا النموذج ينهار في ساحة معقدة وطويلة النفس كقطاع غزة.

وقال أشكنازي إن الجيش نفذ عمليات كثيرة من أقصى شمال غزة إلى أقصى جنوبها، لكن ذلك لم يؤدِ إلى نتيجة حاسمة، مضيفا: “في غزة، فعل ذلك مرات لا تُحصى”، في إشارة إلى تكرار العمليات دون تحوّل إستراتيجي حاسم.

ولفت إلى أن الجيش اليوم بات يقاتل في “خلايا ميدانية محددة” ويتخذ وضعية دفاعية في مناطق بعيدة عن العمق الإسرائيلي، وهو ما وصفه بـ”المرحلة الأخطر” لأي جيش.

وحذر أشكنازي من تدهور الحالة المعنوية داخل صفوف الجنود، مشيرا إلى أن كل زيارة ميدانية للوحدات العسكرية تكشف مزيدا من القصص عن “الصعوبات والإرهاق والتعب وخدر الحواس، وإدراك غياب الإدارة والخطط اللازمة للحملة”، مشددا على أن الدافع وحده لا يكفي للفوز بالحرب، فـ”أنت بحاجة إلى طريقة وأهداف ووسائل وقدرات”.

ونقل صورة قاتمة عن الاستنزاف النفسي الذي يعيشه الجنود، إذ “يتحدث الجنود والقادة على حدّ سواء عن الاستنزاف”، ويقولون إن “الوحدات تعمل حاليا على حافة الهاوية”، مشيرا إلى أن القادة يُطالبون من جهة بضبط النفس تجاه تصرفات الجنود المتوترة، ومن جهة أخرى ببث الروح القتالية وزيادة الشحنة الصهيونية، وهو ما وصفه بحل “غير مكتمل ومؤقت”.

دعوة لوقف الحرب

وانتقد المراسل العسكري بشدة ما وصفه بـ”التصعيد الإعلامي الشعبوي” من قبل المستوى السياسي، مستعرضا ما جرى في ملف “المدينة الإنسانية” التي كان يُفترض أن تُقام في رفح.

وأوضح أن قادة الجيش عارضوا الفكرة منذ البداية، لأنها كانت بحاجة إلى وقت طويل وتجهيزات أمنية كثيفة، ولكن السياسيين أصروا عليها لأغراض دعائية.

وأشار إلى أن المشروع انهار، وبيّن أن تحويل رفح إلى “مدينة إنسانية” لم يكن سوى محاولة لتضليل الرأي العام الإسرائيلي.

وعرّج على الحادثة التي جرت هذا الأسبوع في لواء كفير، التي أظهرت تجاهل قادة الوحدة لمعاناة جندي يعاني نفسيا من اضطراب ما بعد الصدمة، مما أدى إلى انتحاره بعد أن تدخل زملاؤه للدفاع عنه.

وأوضح أن “هذه ليست حادثة معزولة”، بل هي مؤشر على أزمة أعمق في بنية الانضباط والتعامل داخل وحدات الجيش.

وكانت إذاعة الجيش الإسرائيلي كشفت يوم 18 يوليو/تموز الحالي عن انتحار 18 جنديا إسرائيليا منذ مطلع عام 2025، بينهم 3 في يوليو/تموز الجاري مقارنة بـ9 جنود خلال النصف الأول من عام 2024.

ودعا أشكنازي إلى مراجعة شاملة لإعادة بناء المؤسسة العسكرية، تبدأ من تحديد المهمات بوضوح، وتمر عبر تحديث المنظومات وتدريب الوحدات على الانضباط، وتنتهي بإعادة ملء الصفوف البشرية، وتطوير القدرات الهجومية والدفاعية.

وفي ختام مقاله، أطلق المراسل العسكري دعوة صريحة لإنهاء الحرب عبر مفاوضات حقيقية، قائلا: “على المستوى السياسي أن يُدرك أن إسرائيل، بعد 653 يوما من الحرب دون حسم، و50 مختطفا و1928 قتيلا، ليست على بعد خطوة من أيّ انتصار. لقد حان الوقت للتوقف عن التضليل وإجراء مفاوضات حقيقية لإنهاء هذا الفصل”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version