واشنطن– منذ ولايته الأولى، لم يتوقف الرئيس دونالد ترامب عن تكرار أنه يسعى لترشيد الإنفاق الحكومي، وفي سبيل ذلك عهد لرجل الأعمال الشهير وأغنى رجل في العالم، إيلون ماسك بالمساهمة في تحقيق هذا الهدف من خلال إدارة الكفاءة الحكومية قبل أن تدب الخلافات بين الرجلين عندما انتقد ماسك مشروع القانون لترامب المعروف باسم “التشريع الكبير والجميل” الذي يشمل خفض الضرائب وزيادة الإنفاق الحكومي بشكل كبير.

ووسط قلق الخبراء المبرر من زيادة الدين العام، يدافع ترامب باستمرار عن حجم ونطاق هذا التشريع واصفا ضخامة الإنفاق بأنها استثمارات ستعيد لأميركا عظمتها.

ووصف ترامب القانون بأنه أهم تشريع في ولايته الثانية، وهو مشروع قانون واحد من شأنه أن يمهد لتنفيذ أجندته الداخلية بأكملها. ولكن مع توجه مشروع القانون من مجلس النواب إلى مجلس الشيوخ، يُتوقع أن يواجه الكثير من المعارضة.

وكشف تقرير صدر من “معهد مراقبة الميزانية” المستقل في واشنطن أن مشروع القانون سيضيف 2.4 تريليون دولار إلى الدين الوطني على مدى العقد المقبل.

ويدفع القانون الأعضاء الجمهورين بالكونغرس للرد على سؤال صعب عن جدوى هذا التشريع، خاصة مع تمتعهم بحكم البيت الأبيض، والسيطرة على مجلسي النواب والشيوخ.

و”مشروع القانون الكبير والجميل”، هو حزمة تشريعية شاملة قدمها ترامب قبل أسابيع، وتم تمريره في مجلس النواب بفارق ضئيل في 22 مايو/أيار، بأغلبية 215 صوتا مقابل 214 صوتا جاءت على أساس حزبي صارم. وجاء تمرير القرار في لحظة محورية في أجندة ترامب التشريعية، مما يعكس أولويات سياسته والانقسامات العميقة داخل الحزب الجمهوري.

أبرز مزايا مشروع القانون الجديد

سيتضمن القانون 4 مجالات أساسية تؤدي لرفع الإنفاق، وخفض الضرائب على النحو التالي:

يسعى المشروع لجعل التخفيضات الضريبية التي سُنت خلال ولاية ترامب الأولى، والتي كان من المقرر أن تنتهي في نهاية العام الجاري، دائمة سواء ما يتعلق بالأفراد أو الشركات. وإلغاء الضرائب على البقشيش، والعمل الإضافي وفوائد قروض السيارة. ويقلل المشروع معدلات الضرائب على الأفراد في كل شريحة دخل فردية، وكذلك للشركات، مما يقلل معدل ضريبة الشركات من 25% إلى 21%.
ومن المتوقع أن تضيف هذه التدابير ما يقرب من 4 تريليونات دولار إلى الدين الوطني على مدى العقد القادم.

  • خفض برامج الرعاية الطبية والرعاية الاجتماعية

تشمل التغييرات المهمة في برنامج “ميديكيد” (Medicaid)، الذي يوفر التأمين الصحي لما يقرب من 70 مليونا من فقراء أميركا، ومقاتليها السابقين. ويضع القانون الجديد شروطا صعبة، منها فرض 80 ساعة شهريا من العمل أو التعليم أو الخدمة المجتمعية للبالغين الأصحاء جسديا. وتتوقع تقارير أن يقلل المشروع الإنفاق على هذه البرامج بما يقدر بـ700 مليار دولار على مدى 10 سنوات، إلا أن مكتب الميزانية في الكونغرس يقدر أن 8.6 ملايين شخص قد يفقدون التأمينات الصحية.

  • أمن الحدود والهجرة

يخصص مشروع القانون 70 مليار دولار لأمن الحدود، منها 46.5 مليار لبناء وصيانة الحواجز على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك. ويخصص القانون مليارات الدولارات لزيادة أعداد ضباط دوريات الحدود وضباط الجمارك، لتعزيز قدرات تنفيذ قوانين الهجرة. وأخيرا يخصص القانون مليارات الدولارات لتسريع إجراءات الترحيل والاحتجاز، وبناء مراكز احتجاز تسمح بإيواء 100 ألف مهاجر إضافي.

يخصص مشروع القانون 150 مليار دولار إضافية للإنفاق الدفاعي، ويخصص منهم 25 مليار دولار لتطوير نظام الدفاع الصاروخي “القبة الذهبية”. وتخصيص 34 مليار دولار لتوسيع الأسطول البحري، ومشاريع بناء السفن الجديدة. كما يتم تخصيص 21 مليار دولار لإعادة مخزونات الذخيرة لتجديد وتحديث احتياطيات الذخيرة في البلاد.

“الكبير والجميل” بين دعم ومعارضة الجمهوريين

وبعد حصول مشروع القانون على دعم كل الجمهوريين في مجلس النواب، وتحمس له بشدة الأعضاء الذين يدافعون عن التخفيضات الضريبية وسياسات التشدد تجاه المهاجرين، لا يمكن التكهن بنتائج تبني المشروع على ما تبقى من حكم ترامب.

ويقدر مكتب الميزانية في الكونغرس أن مشروع القانون سيزيد العجز الفدرالي بنحو 2.4 تريليون دولار خلال العقد المقبل. بينما يجادل المؤيدون بأن التخفيضات الضريبية ستحفز النمو الاقتصادي، ويؤكد النقاد أن الآثار المالية طويلة الأجل يمكن أن تكون ضارة.

وانتقد مشروع القانون 3 فئات أساسية، فئتان جمهوريتان، والثالثة ديمقراطية على النحو التالي:

  • المحافظون الماليون من الجمهوريين، فقد أعرب عدد من أعضاء مجلس الشيوخ، مثل السيناتور ريك سكوت، من ولاية فلوريدا، والسيناتور رون بول من ولاية كنتاكي، عن مخاوفهما من أن تخفيض الإنفاق على مشروع القانون غير كافية، وأنها ستؤدي إلى تفاقم الدين القومي.
  • إيلون ماسك وإدارة الكفاءة الحكومية “دوج” (DOGE)، حيث انتقد ماسك بحدة مشروع القانون، واعتبره إهدارا لجهوده في تقليص الهدر الحكومي، ووصل لدرجة وصفه بأنه تشريع “بغيض مثير للاشمئزاز”.
  • الديمقراطيون والمدافعون عن حق الرعاية الصحية، وتركز معارضة هذا الفريق على الخسارة المحتملة للتأمينات الصحية للفقراء التي يتمتع بها ملايين الأميركيين، إضافة لهؤلاء المنزعجين من تخفيضات برامج الرعاية.

وعلى النقيض، يواجه العديد من الأعضاء الجمهوريين معضلة في أن قانون ترامب يلغي عمليا قانون “خفض التضخم” الذي مرر في عهد الرئيس السابق جو بايدن، وترك آثارا إيجابية على تغير المناخ، وتوفير ضمانات ائتمانية ضريبية لمشاريع الطاقة النظيفة، وإعادة تأهيل البنية التحتية.

واستفادت الكثير من المقاطعات الجمهورية من مشاريع مختلفة منها مشاريع الطاقة النظيفة أو بناء مصانع لبطاريات السيارات الكهربائية. من هنا لا يتوقع أن يوافق أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين على الجزء المتعلق بإلغاء قوانين الرئيس السابق بايدن.

حسابات ترامب

تتحكم خلفية ترامب، كرجل أعمال ومطور عقاري، في رؤيته للإنفاق الحكومي، ويعتمد عالم العقارات على الاستفادة من الديون، حيث يقترض المطورون للبناء، متوقعين أن تتجاوز قيمة مشاريعهم في نهاية المطاف تكلفة الاقتراض.

ويرى ترامب أن الإنفاق الحكومي الضخم الآن سيؤتي ثماره في المستقبل، ويستحق عناء رفع معدلات القروض، مع إيمانه أن النتيجة النهائية كانت تستحق العناء.

ولا توافق النخبة الجمهورية في أغلبها على هذا الطرح، وحذر صقور الجمهوريين من أن الاقتراض غير الخاضع للرقابة من شأنه أن يثقل كاهل الأجيال القادمة. لكن بالنسبة لترامب، فإن النتائج السياسية والاقتصادية تفوق تلك المخاوف.

وبالنسبة لحسابات ترامب السياسية، يمكن الترويج إلى أن التخفيضات الضريبية دليل على أنه يراعي الطبقة الوسطى على عكس ما يكرره منتقدو ترامب من أن مشروع القانون يخدم الأثرياء. كما يمكن لترامب أن يشير إلى أن رفع حجم الإنفاق العسكري دليل على عهده بجعل “أميركا أولا”.

من ناحية أخرى، كشف تحمس ترامب لمشروع قانون “الكبير والجميل” عن انقسامات ضخمة داخل الحزب الجمهوري. وشعر الجمهوريون المحافظون التقليديون، الذين دافعوا عن ميزانيات متوازنة منذ عهد الرئيس رونالد ريغان، بالفزع من استعداد ترامب لتراكم المزيد من الديون. وحذر أعضاء مجلس الشيوخ مثل راند بول ورئيس مجلس النواب السابق بول رايان من أن الدين الوطني سيتجاوز 30 تريليون دولار، وهو ما حدث بالفعل.

ورغم مخاوف الجمهوريين، لم يصوت أي نائب جمهوري في مجلس النواب ضد التشريع. ولا يتوقع أن يستمر هذا التأييد الجمهوري الكامل بهذه الصورة في مجلس الشيوخ الذي يتمتع فيه الديمقراطية بأغلبية 3 أصوات فقط.

في النهاية، تمكن الرئيس ترامب من التغلب على تحفظات الجمهوريين في مجلس النواب عندما يتعلق الأمر بإلغاء قانون خفض التضخم. والآن بعد أن توجه مشروع القانون هذا إلى مجلس الشيوخ، والذي يجب أن يمرره حتى يصبح مشروع القانون هذا لديه فرصة ليصبح قانونا مطبقا بالفعل، يواجه ترامب اختبارا عسيرا ضاعف من أهميته الخلاف الحاد مع ماسك.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version