أظهرت أبحاث جديدة أن جودة النوم قد يكون لها تأثير مباشر على سرعة تقدم الدماغ في العمر. لطالما كان الارتباط بين قلة النوم والخرف معروفًا، ولكن لم يكن من الواضح ما إذا كانت عادات النوم السيئة يمكن أن تسبب الخرف أم أن قلة النوم كانت مجرد عرض مبكر للمرض. تشير النتائج إلى أن تحسين عادات النوم قد يكون استراتيجية وقائية مهمة للحفاظ على صحة الدماغ على المدى الطويل، بالإضافة إلى أمراض القلب والأوعية الدموية.
أجرى باحثون في معهد كارولينسكا في السويد دراسة شملت أكثر من 27 ألف شخص بالغ ومتوسط العمر، وذلك لفهم العلاقة بين النوم وصحة الدماغ بشكل أفضل. وقد أكدت النتائج الأولية أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين جودة النوم ومعدل الشيخوخة في الدماغ، مما يفتح الباب أمام مزيد من البحث في هذا المجال الحيوي. استخدمت الدراسة بيانات من UK Biobank، وهي مؤسسة بحثية تجري دراسات متابعة طويلة الأجل لتأثير العوامل الوراثية ونمط الحياة على الأمراض.
تأثير جودة النوم على شيخوخة الدماغ
قام الباحثون بتقييم جودة النوم للمشاركين استنادًا إلى خمسة أبعاد رئيسية: نوعية نمط النوم (صباحي أو مسائي)، مدة النوم، وجود أو عدم وجود الأرق، وجود أو عدم وجود الشخير، والشعور بالنعاس أثناء النهار. وقد تم تصنيف المشاركين إلى ثلاث مجموعات بناءً على أنماط نومهم، حيث تبين أن 41.2٪ يتمتعون بنوم صحي، بينما كان 3.3٪ يعانون من سوء واضح في النوم، وشكلت المجموعة المتوسطة 55.6٪.
ارتباط قوي بأنماط الحياة الليلية والشخير
أظهر التحليل أن كل انخفاض بمقدار نقطة واحدة في درجة النوم الصحي، يرتبط بزيادة في الفارق بين العمر البيولوجي للدماغ والعمر الزمني بمقدار ستة أشهر تقريبًا. وبالنسبة للمجموعة التي تعاني من أسوأ جودة نوم، كان الدماغ أصغر بحوالي سنة واحدة من العمر الزمني للمشاركين. يوضح هذا الارتباط الكبير كيف أن مدة النوم وعاداته يمكن أن تؤثر بشكل كبير على سرعة شيخوخة الدماغ.
علاوة على ذلك، اكتشف الباحثون أن نمط الحياة المسائي (السهر)، ومدة النوم غير الصحية (أكثر من 7-8 ساعات)، وعادة الشخير، ترتبط بقوة بتسارع شيخوخة الدماغ. وهذا يشير إلى أن هذه العادات يمكن أن تزيد من خطر التدهور المعرفي في المستقبل. كما وجدوا أن هذه العوامل الخمسة تتفاعل مع بعضها البعض، فمثلاً، قد يؤدي الأرق إلى الشعور بالنعاس المفرط أثناء النهار، وقد يؤدي نمط الحياة الليلي إلى قلة مدة النوم.
التهاب مزمن كآلية رئيسية
لكشف الآلية التي تؤثر بها قلة النوم على الدماغ، قام الفريق البحثي بقياس مستوى الالتهاب المزمن في الجسم. استخدموا مجموعة من العلامات الحيوية، مثل مستويات بروتين سي التفاعلي، وعدد خلايا الدم البيضاء والصفائح الدموية، ونسبة الخلايا الحبيبية إلى الخلايا الليمفاوية، لتحليل دور الالتهاب في العلاقة بين أنماط النوم وشيخوخة الدماغ.
أكدت النتائج أن المستويات الأعلى من الالتهاب في الجسم تميل إلى زيادة العمر البيولوجي للدماغ. وكشف تحليل الوساطة (وهي طريقة لتحليل تأثير المتغيرات الوسيطة في العلاقة السببية بين متغيرين) أن الالتهاب يفسر حوالي 7٪ من الارتباط بين أنماط النوم المتوسطة وشيخوخة الدماغ، وأكثر من 10٪ من الارتباط مع أنماط النوم السيئة. وهذا يعني أن قلة النوم قد تزيد من احتمالية حدوث التهاب مزمن في الجسم، مما يؤدي بدوره إلى تسريع شيخوخة الدماغ. تشير هذه النتائج إلى أهمية معالجة عوامل الالتهاب كجزء من استراتيجية شاملة للحفاظ على صحة الدماغ.
بالإضافة إلى الالتهاب، هناك عدة طرق أخرى يمكن أن تؤثر بها قلة النوم سلبًا على الدماغ. من بين هذه الطرق تأثيرها على الجهاز اللمفاوي الدماغي، وهو المسؤول بشكل أساسي عن إزالة الفضلات من الدماغ أثناء النوم. إذا لم يتم إزالة المواد السامة من الدماغ بكفاءة أثناء النوم، فقد يؤدي ذلك إلى إضعاف وظائف الخلايا العصبية على المدى الطويل. وأشار الباحثون أيضًا إلى أن قلة النوم يمكن أن تؤدي إلى تفاقم صحة القلب والأوعية الدموية، وهو ما قد يضر بشكل غير مباشر بتدفق الدم والأنسجة في الدماغ. صحة القلب والأوعية الدموية ترتبط بشكل وثيق بالصحة الإدراكية.
من المتوقع أن تستمر الأبحاث في هذا المجال، مع التركيز على تحديد التدخلات السلوكية والدوائية التي يمكن أن تحسن جودة النوم وتقلل من خطر التدهور المعرفي. سينصب التركيز أيضًا على فهم الآليات البيولوجية التي تربط بين النوم وصحة الدماغ بشكل أفضل، وتقييم فعالية استراتيجيات الوقاية والعلاج المختلفة. من المهم مراقبة التطورات في هذا المجال ودمجها في الممارسات الصحية لتعزيز صحة الدماغ والوقاية من الأمراض العصبية.

