تواجه مبادرة “مكتب الكفاءة الحكومية” (DOGE)، التي أطلقها الملياردير إيلون ماسك خلال فترة إدارة ترامب، جدلاً واسعاً حول وجودها وأهدافها الحقيقية. فبينما يصر البعض على أنها حلّت بالفعل، تشير تقارير إلى أن العديد من أعضائها الأساسيين ما زالوا نشطين في وكالات حكومية مختلفة، وأن “استوديو التصميم الوطني” الجديد (NDS) يقوده جو جيبيا، أحد مؤسسي شركة Airbnb وشريك مقرب من ماسك.

تُركز المخاوف الرئيسية على أن هذه المبادرة، حتى لو لم تستمر طويلاً، نجحت في إحداث تغييرات كبيرة في طريقة عمل الحكومة الأمريكية، وعلى رأسها تجميع البيانات بشكل مركزي ومنح سلطات واسعة للرئيس التنفيذي. ويحذر خبراء من أن هذه التغييرات قد تتجاوز نطاق إدارة ترامب وتؤثر على الإدارات المستقبلية.

ما هو “مكتب الكفاءة الحكومية” (DOGE) وما هي أهدافه؟

بدأت مبادرة “مكتب الكفاءة الحكومية” كمحاولة لإعادة هيكلة الحكومة الفيدرالية وتقليل الإنفاق. ومع ذلك، سرعان ما اتسمت بتحركات مفاجئة وإقالات وتقليص للعقود، أثارت تساؤلات حول مدى قانونية هذه الإجراءات.

تاريخ المبادرة وتطورها

ظهرت فكرة “مكتب الكفاءة الحكومية” في بداية إدارة ترامب، وشهدت عدة تغييرات في هيكلها وأهدافها. وبينما كانت الإدارة تهدف إلى خفض الإنفاق وتقليل حجم القوى العاملة الفيدرالية، فقد ركزت المبادرة على السيطرة على البنية التحتية التقنية الحكومية، معتبرةً ذلك وسيلة فعالة لتحقيق هذه الأهداف. وفقاً لمحللين، كان ذلك بمثابة وسيلة لتحقيق أهداف أوسع، ألا وهي إضعاف “الدولة الإدارية” الأوسع.

هناك تداخل واضح بين أهداف “مكتب الكفاءة الحكومية” ومشاريع أخرى مثل “مشروع 2025″، الذي يهدف إلى إعادة تشكيل الحكومة الفيدرالية بشكل جذري. يشير البعض إلى أن المبادرة كانت بمثابة أداة لتنفيذ هذه الأجندة، من خلال السيطرة على البيانات والتكنولوجيا الحكومية.

النظرية التنفيذية الوحدوية

يعتمد مؤيدو هذه المبادرة، بما في ذلك نائب الرئيس السابق جيه.دي. فانس ورئيس مكتب الإدارة والميزانية الحالي راسل فوجت، على ما يُعرف بـ “النظرية التنفيذية الوحدوية”. تنص هذه النظرية على أن الرئيس يتمتع بسلطة شبه كاملة على السلطة التنفيذية، على غرار الرئيس التنفيذي لشركة خاصة. هذه الرؤية تتناقض مع مبادئ الفصل بين السلطات التي تأسس عليها الدستور الأمريكي.

ويرى خبراء، مثل البروفيسور دون موينيهان من جامعة ميشيغان، أن “مكتب الكفاءة الحكومية” قد غيّر المفاهيم التقليدية حول حدود السلطة التشريعية والتنفيذية، ببساطة عن طريق تجاهل هذه الحدود. ويحذر موينيهان من أن هذا النهج قد يصبح سابقة للإدارات المستقبلية، بغض النظر عن الانتماء الحزبي.

تأثير “مكتب الكفاءة الحكومية” على البيانات والسلطة

أحد الجوانب الأكثر إثارة للقلق في مبادرة DOGE هو تركيزها على جمع وتوحيد البيانات الحكومية. يرى متخصصو الأمن السيبراني أن هذا التجميع المركزي للبيانات قد يخلق نقاط ضعف أمنية، ويزيد من خطر الوصول غير المصرح به إلى معلومات حساسة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام هذه البيانات لتعزيز سلطة السلطة التنفيذية، وتقليل شفافية الحكومة.

وتشير التقارير إلى أن المبادرة قد قامت بالفعل بجمع كميات هائلة من البيانات من مختلف الوكالات الحكومية، دون وجود رقابة كافية أو إشراف من الكونجرس. هذا أثار مخاوف بشأن الخصوصية، وإمكانية إساءة استخدام هذه البيانات.

يترتب على هذه التطورات تغيير محتمل في ميزان القوى داخل الحكومة. فمن خلال السيطرة على البنية التحتية التقنية والبيانات، يمكن للسلطة التنفيذية أن تتجاوز السلطة التشريعية في بعض النواحي، وأن تتخذ قرارات دون الحاجة إلى موافقة الكونجرس. وهذا يتعارض مع المبادئ الديمقراطية التي تقوم عليها الحكومة الأمريكية.

تداعيات مستقبلية

حتى مع التشكيك في استمرار “مكتب الكفاءة الحكومية” بصورته الأصلية، يبدو أن أهدافه الرئيسية قد ترسخت في أسلوب عمل الحكومة. التحول نحو مركزية البيانات والسعي لتعزيز سلطة السلطة التنفيذية قد يكون لهما تداعيات طويلة الأمد، تتجاوز نطاق إدارة ترامب.

في الوقت الحالي، من المتوقع أن تستمر “استوديو التصميم الوطني” في تطوير وتنفيذ مشاريع تهدف إلى تحسين الكفاءة الحكومية، ولكن مع الحفاظ على التركيز على السيطرة على التكنولوجيا والبيانات. سيكون من المهم مراقبة هذه التطورات عن كثب، وتقييم تأثيرها على الشفافية والمساءلة وحقوق المواطنين.

من المرجح أن يظل مستقبل هذه الجهود موضع نقاش وجدل، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية. سيكون من الضروري متابعة التطورات السياسية والقانونية المتعلقة بهذه المبادرة، لتقييم ما إذا كانت ستستمر في إحداث تغييرات جذرية في طريقة عمل الحكومة الأمريكية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version