:
تتنافس شركات التكنولوجيا العملاقة بشدة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تستثمر مليارات الدولارات في تطوير نماذج لغوية كبيرة وبنية تحتية متقدمة. أمازون، من خلال ذراعها السحابية AWS، ليست استثناءً، بل تسعى إلى ترسيخ مكانتها كلاعب رئيسي في هذا المجال الحيوي. كشفت أمازون عن سلسلة من المبادرات الجديدة خلال مؤتمر re:Invent السنوي في لاس فيغاس، بهدف تقديم خدمات ذكاء اصطناعي فعالة من حيث التكلفة وموثوقة للشركات من جميع الأحجام.
أعلنت شركة أمازون ويب سيرفيسز (AWS) عن إطلاق نماذج ذكاء اصطناعي جديدة من سلسلة Nova، بالإضافة إلى أدوات متطورة تُعرف باسم “الوكلاء” (Agents) لأتمتة مهام تطوير البرمجيات والأمن السيبراني. كما قدمت AWS منصة “Forge” التي تتيح للشركات تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها باستخدام بياناتها الخاصة بتكلفة منخفضة. يأتي هذا في وقت يشهد فيه قطاع الحوسبة السحابية منافسة متزايدة من قبل شركات مثل مايكروسوفت وجوجل.
استراتيجية أمازون في سوق الذكاء الاصطناعي
تعتمد استراتيجية أمازون على تقديم الذكاء الاصطناعي كخدمة متكاملة، بدلاً من مجرد التركيز على النماذج اللغوية الكبيرة. يرى الرئيس التنفيذي لشركة AWS، مات جارمان، أن الذكاء الاصطناعي أصبح ميزة أساسية داخل التطبيقات الأكبر، وليس مجرد مشروع تجريبي منفصل. هذا التحول يتطلب بنية تحتية قوية، وأدوات تطوير سهلة الاستخدام، وضوابط أمنية صارمة، وهي المجالات التي تركز عليها AWS بشكل خاص.
النماذج الأساسية والبنية التحتية
بالإضافة إلى استثمارها البالغ 8 مليارات دولار في شركة Anthropic، تعمل AWS على تطوير نماذجها الأساسية الخاصة بالذكاء الاصطناعي. تهدف هذه النماذج إلى توفير أداء مماثل أو أفضل من النماذج المنافسة، مع الحفاظ على تكلفة أقل. كما تستثمر الشركة بكثافة في بناء مراكز بيانات ضخمة لدعم عمليات التدريب والاستنتاج لنماذج الذكاء الاصطناعي، مما يضمن توفير الموارد اللازمة لتلبية الطلب المتزايد.
منصة Bedrock وتكامل الخدمات
تلعب منصة Bedrock دورًا حاسمًا في استراتيجية AWS للذكاء الاصطناعي. تتيح هذه المنصة للعملاء الوصول إلى مجموعة متنوعة من النماذج اللغوية الأساسية من مختلف المزودين، بما في ذلك نماذج AWS الخاصة. الأهم من ذلك، توفر Bedrock للعملاء نفس الضوابط الأمنية والتحكم في البيانات التي اعتادوا عليها من AWS، مما يقلل من المخاطر المرتبطة باستخدام خدمات الذكاء الاصطناعي الخارجية. هذا التكامل السلس بين خدمات الذكاء الاصطناعي وخدمات AWS الأخرى هو ما يميزها عن المنافسين.
في المقابل، شهدت شركات مثل مايكروسوفت وجوجل نموًا أسرع في قطاع الحوسبة السحابية من خلال التكامل الوثيق مع نماذج الذكاء الاصطناعي الرائدة مثل ChatGPT و Gemini. وقد جذب هذا الشركات التي تتطلع إلى تجربة أحدث الإمكانات في مجال الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، يرى مات جارمان أن تركيز AWS على تقديم الذكاء الاصطناعي كخدمة موثوقة وفعالة من حيث التكلفة سيمنحها ميزة تنافسية على المدى الطويل.
تشير النتائج المالية القوية لشركة AWS في الربع الثالث من العام الحالي إلى أن استراتيجية جارمان قد بدأت تؤتي ثمارها. وقد تجاوزت إيرادات AWS توقعات المحللين، مما يعكس الطلب المتزايد على خدمات الذكاء الاصطناعي التي تقدمها الشركة. ومع ذلك، لا يزال من السابق لأوانه تحديد ما إذا كانت AWS ستتمكن من الحفاظ على مكانتها الرائدة في سوق الحوسبة السحابية في ظل المنافسة الشرسة من قبل مايكروسوفت وجوجل.
تعتبر “الحوسبة السحابية” (Cloud Computing) مصطلحًا رئيسيًا مرتبطًا بتطور الذكاء الاصطناعي، حيث توفر البنية التحتية اللازمة لتشغيل وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي. كما أن “تعلم الآلة” (Machine Learning) هو مجال فرعي من الذكاء الاصطناعي يعتمد على تطوير خوارزميات تسمح لأجهزة الكمبيوتر بالتعلم من البيانات دون الحاجة إلى برمجة صريحة.
من المتوقع أن تستمر AWS في الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي، وأن تطلق المزيد من الخدمات والأدوات الجديدة في الأشهر والسنوات القادمة. سيكون من المهم مراقبة كيفية استجابة المنافسين لمبادرات AWS، وكيف ستتطور احتياجات العملاء في هذا المجال سريع التغير. كما سيكون من الضروري تقييم الأداء المالي لشركة AWS، وتحديد ما إذا كانت استثماراتها في الذكاء الاصطناعي تؤدي إلى عائدات ملموسة.
في الختام، يمثل سباق الذكاء الاصطناعي تحديًا كبيرًا لشركة أمازون، ولكنها تمتلك الموارد والخبرة اللازمة للمنافسة بنجاح. ستعتمد قدرة الشركة على تحقيق النجاح على قدرتها على تقديم خدمات ذكاء اصطناعي مبتكرة وفعالة من حيث التكلفة، مع الحفاظ على نفس المستوى العالي من الموثوقية والأمان الذي يميز خدماتها السحابية الأخرى. من المنتظر أن تشهد الأشهر القليلة القادمة المزيد من التطورات في هذا المجال، مع استمرار الشركات في إطلاق منتجات وخدمات جديدة.

