تتجه المفوضية الأوروبية نحو توقيع اتفاقية “ميركوسور” التجارية بحلول نهاية العام، مما يزيد الضغط على فرنسا لرفع اعتراضاتها هذا الأسبوع. وتأتي هذه الخطوة وسط غضب متزايد للمزارعين الفرنسيين من الصفقة، بينما يطالب المؤيدون بإنجاز الاتفاقية بعد 25 عامًا من المفاوضات بين دول “ميركوسور” (الأرجنتين والبرازيل وباراغواي والأوروغواي) والمفوضية. هذا التطور يثير تساؤلات حول مستقبل التجارة بين الاتحاد الأوروبي وأمريكا اللاتينية، ويهدد بتصعيد التوترات الزراعية.
أعلنت المفوضية الأوروبية يوم الاثنين أنها تتوقع توقيع اتفاقية “ميركوسور” بحلول نهاية العام، في محاولة لإنهاء سنوات من المفاوضات المعقدة. ويأتي هذا الإعلان في وقت يواجه فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انتقادات حادة من المزارعين بسبب الصفقة، مما يضع حكومته في موقف صعب. وتشمل الدول الأعضاء في “ميركوسور” الأرجنتين والبرازيل وباراغواي والأوروغواي، وتمثل سوقًا رئيسيًا للاتحاد الأوروبي.
المفوضية الأوروبية تدفع نحو إتمام اتفاقية ميركوسور
أكد نائب المتحدث الرسمي باسم المفوضية، أولوف جيل، أن توقيع الاتفاقية يعتبر الآن أمرًا بالغ الأهمية من الناحية الاقتصادية والدبلوماسية والجيوسياسية، بالإضافة إلى مصداقية الاتحاد الأوروبي على الساحة العالمية. وأضاف أن المفوضية استمعت بعناية إلى مخاوف المزارعين والمستهلكين والدول الأعضاء في البرلمان الأوروبي، واتخذت خطوات فعالة لمعالجة هذه المخاوف.
في المقابل، أعربت فرنسا عن رفضها في بيان صدر يوم الأحد عن مكتب رئيس الوزراء سيباستيان ليكورنو، مطالبة بتأجيل المواعيد النهائية في ديسمبر. وأشار البيان إلى أن الشروط غير مهيأة حاليًا لعقد تصويت في مجلس الاتحاد الأوروبي بشأن تفويض التوقيع على الاتفاقية.
مخاوف المزارعين الفرنسيين
يخشى المزارعون الفرنسيون من أن الاتفاقية ستعرضهم لمنافسة غير عادلة من الواردات اللاتينية، خاصة فيما يتعلق بالمنتجات الزراعية الحساسة. ويرون أن معايير الإنتاج في دول “ميركوسور” أقل صرامة، مما قد يؤدي إلى تدفق منتجات أرخص بأسعار تقلل من أرباحهم. وتطالب فرنسا بآليات حماية قوية، بما في ذلك تعليق خفض الرسوم الجمركية في حالة إخلال الواردات باستقرار الأسواق الأوروبية.
بالإضافة إلى ذلك، تطالب فرنسا بـ “بنود المعاملة بالمثل” التي تضمن مواءمة معايير “ميركوسور” البيئية والزراعية مع معايير الاتحاد الأوروبي، وتشديد الرقابة الصحية والنباتية على الواردات. هذه المطالب تهدف إلى ضمان تكافؤ الفرص وحماية الإنتاج الزراعي الأوروبي.
من المقرر أن يصوت البرلمان الأوروبي يوم الثلاثاء على بند الحماية المقترح من قبل المفوضية، مع إضافة بعض التعديلات المتعلقة بالمعاملة بالمثل من قبل بعض النواب. وقد أيدت الدول الأعضاء بند الحماية بالفعل، ولكن دون ضمانات بشأن المعاملة بالمثل. ومن المتوقع أن تتبع ذلك مفاوضات سريعة بين البرلمان الأوروبي والحكومات.
يدعم كل من ألمانيا وإسبانيا الاتفاقية، معتبرين أنها ضرورية لمواجهة تراجع حصة الاتحاد الأوروبي في السوق الأمريكية وتوسع نفوذ الصين في أمريكا اللاتينية. ويرى هؤلاء المؤيدون أن الاتفاقية ستعزز العلاقات التجارية والاستثمارية بين الاتحاد الأوروبي ودول “ميركوسور”، وتفتح أسواقًا جديدة للمنتجات الأوروبية.
ومع ذلك، لا يزال الحصول على أغلبية مؤهلة أمرًا غير مؤكد. انضمت كل من بولندا والمجر والنمسا إلى فرنسا في معارضة الاتفاقية، بينما تخطط بلجيكا للامتناع عن التصويت. لم تعلن هولندا وأيرلندا عن مواقفهما بعد، كما أن موقف إيطاليا بشأن التصويت غير واضح. هذه التباينات في المواقف قد تعيق عملية الموافقة على الاتفاقية.
يأتي هذا الجدل في وقت يواجه فيه الرئيس ماكرون بالفعل حالة من عدم الاستقرار السياسي الداخلي، بالإضافة إلى غضب المزارعين بسبب تعامله مع مرض الجلد العقدي، وهو فيروس معد يهدد الماشية. وأكد مكتب رئيس الوزراء ليكورنو أن فرنسا ستواصل الدفاع بقوة عن مصالحها الزراعية.
تعتبر هذه الاتفاقية التجارية من أهم الصفقات التي يسعى الاتحاد الأوروبي إلى إبرامها في السنوات الأخيرة، وستؤثر بشكل كبير على العلاقات التجارية والاقتصادية مع أمريكا اللاتينية. كما أنها تمثل اختبارًا لقدرة الاتحاد الأوروبي على التوصل إلى توافق في الآراء بشأن القضايا التجارية الحساسة.
الخطوة التالية المتوقعة هي تصويت البرلمان الأوروبي على بند الحماية يوم الثلاثاء، يليه مفاوضات بين البرلمان والحكومات. من غير الواضح ما إذا كانت فرنسا ستتمكن من الحصول على تنازلات بشأن مطالبها، أو ما إذا كانت الاتفاقية ستواجه المزيد من التأخير أو حتى الفشل. من المهم متابعة تطورات هذا الملف لمعرفة تأثيره على التجارة العالمية والمصالح الإقليمية.

