حذر تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الثلاثاء، من أن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى اتساع الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية، داعياً إلى سياسات استباقية لضمان استفادة الجميع من هذه التكنولوجيا. ويشير التقرير إلى أن عدم اتخاذ تدابير مناسبة قد يعيق التقدم الذي أحرزته الدول النامية في العقود الأخيرة، ويزيد من أوجه عدم المساواة العالمية.
الفجوة الرقمية وتأثير الذكاء الاصطناعي
وأكد فيليب شيلكينز، كبير الخبراء الاقتصاديين في المكتب الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لآسيا والمحيط الهادي، أن الذكاء الاصطناعي يمثل منعطفًا تاريخيًا، ولكنه قد يؤدي إلى “تباين كبير” بين الدول إذا لم تتم معالجة التحديات المرتبطة به. يشير التقرير إلى أن التقدم الذي شهدته التجارة والتكنولوجيا خلال العقود الأخيرة في تقليل الفروق بين الدول قد يكون مهددًا بالانعكاس نتيجة للتفاوت في تبني وتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي.
لا يقتصر تأثير هذا التفاوت على الأداء الاقتصادي فحسب، بل يمتد ليشمل مهارات الأفراد وأنظمة الحكم، وفقًا للتقرير. وحتى الدول الغنية قد تواجه صعوبات على المدى الطويل إذا لم تتمكن الدول الأقل تطوراً من الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، مما يهدد الاستقرار العالمي ويزيد من تحديات الهجرة.
الذكاء الاصطناعي وتغيير طبيعة العمل
يثير الذكاء الاصطناعي قلقًا متزايدًا بشأن تأثيره على سوق العمل، حيث قد يؤدي إلى أتمتة العديد من الوظائف التي يقوم بها البشر حاليًا. ومع ذلك، يركز تقرير الأمم المتحدة على الأبعاد الإنسانية لهذا التحول التكنولوجي، ويطرح السؤال الأهم وهو: ما الذي يعنيه ذلك لحياة الناس؟
تتفاقم المخاطر بالنسبة للفئات الأكثر ضعفًا، مثل أولئك الذين يفتقرون إلى المهارات اللازمة، أو الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والإنترنت. بالإضافة إلى ذلك، قد يتم تجاهل هذه الفئات في البيانات المستخدمة لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي، مما يزيد من احتمالية استبعادها من فوائد التكنولوجيا.
إمكانات الذكاء الاصطناعي في التنمية المستدامة
على الرغم من المخاطر، يؤكد التقرير أن الذكاء الاصطناعي يمتلك إمكانات هائلة لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز النمو الاقتصادي. باعتباره تقنية شاملة، يمكن للذكاء الاصطناعي زيادة الإنتاجية، وإطلاق صناعات جديدة، ومساعدة الدول المتأخرة على اللحاق بالركب.
ويقدم التقرير أمثلة ملموسة على كيفية استفادة المجتمعات الريفية والمناطق المعرضة للكوارث الطبيعية من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل الإرشاد الزراعي، والتشخيص الطبي السريع، وتحليل البيانات المتعلقة بالصحة والفقر. يمكن لهذه الأنظمة الذكية أن تساعد في اتخاذ قرارات أسرع وأكثر عدالة وشفافية، وتحويل البيانات إلى معلومات قابلة للتنفيذ.
التحديات الأخلاقية والبنية التحتية
ومع ذلك، لا تخلو هذه التكنولوجيا من تحديات. يشير التقرير إلى قضايا أخلاقية مهمة تتعلق بالخصوصية، والأمن السيبراني، وإمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي في التضليل أو ارتكاب الجرائم. بالإضافة إلى ذلك، يثير استهلاك مراكز البيانات لكميات كبيرة من الطاقة والمياه مخاوف بشأن الاستدامة البيئية.
كما أن الفجوة في الوصول إلى الإنترنت تمثل عائقًا كبيرًا أمام تبني الذكاء الاصطناعي في العديد من المناطق، خاصة في آسيا والمحيط الهادئ حيث يفتقر ما يقرب من ربع السكان إلى الاتصال بالشبكة. هذا النقص في البنية التحتية الرقمية قد يؤدي إلى استبعاد ملايين الأشخاص من الأجهزة والخدمات الرقمية، مما يزيد من تفاقم أوجه عدم المساواة.
ويلفت التقرير الانتباه إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح الآن ضرورة للحياة الحديثة، مثل الكهرباء والطرق والإنترنت، ويتطلب ذلك استثمارات كبيرة في البنية التحتية الرقمية والتعليم والتدريب، بالإضافة إلى إنشاء بيئة تنافسية عادلة وتوفير الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر عرضة للتأثر.
ويختتم التقرير بأن تحقيق “ديمقراطية الوصول إلى الذكاء الاصطناعي” يمثل هدفًا أساسيًا لضمان استفادة جميع الدول والمجتمعات من هذه التكنولوجيا، مع حماية الفئات الأكثر ضعفًا. من المتوقع أن يناقش مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة نتائج هذا التقرير في الأشهر المقبلة، وأن يتخذ قرارات بشأن السياسات اللازمة لمعالجة هذه التحديات، بينما تتزايد الحاجة إلى تنظيم دولي فعال بحيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يخدم البشرية جمعاء.

