بعد مرور أكثر من خمس سنوات على فرض عقوبات أمريكية مشددة، تواجه شركة هواوي تحديات كبيرة لكنها تواصل الصمود والتكيف. تتركز هذه التحديات حول الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة، بينما تسعى الشركة إلى تعزيز مكانتها في السوق المحلية الصينية وتوسيع نطاق عملياتها في مناطق أخرى مثل الشرق الأوسط وآسيا. هذه الفترة تمثل اختباراً حقيقياً لقدرة التكنولوجيا على التكيف في ظل الصراعات الجيوسياسية المتصاعدة.

هواوي بعد خمس سنوات من العقوبات الأمريكية

بدأت التحديات الحقيقية بالنسبة لشركة هواوي في عام 2012، مع تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي الذي سلط الضوء على ممارسات الشركة وعلاقاتها بجيش التحرير الشعبي الصيني. ومع ذلك، تصاعدت هذه التحديات بشكل كبير في 16 مايو 2019، عندما أدرجت وزارة التجارة الأمريكية هواوي وشركاتها التابعة في قائمة الكيانات المحظورة، مما منعها من الوصول إلى التقنيات والبرمجيات الأمريكية دون الحصول على ترخيص حكومي.

أجبرت هذه العقوبات هواوي على إعادة تقييم استراتيجيتها التجارية والتركيز بشكل أكبر على السوق المحلية الصينية. وقد أظهرت البيانات أن إيرادات هواوي المحلية ارتفعت بشكل ملحوظ، بينما تراجعت إيراداتها العالمية. على سبيل المثال، في عام 2023، بلغت الإيرادات المحلية 67.3 مليار دولار، مقابل 33.27 مليار دولار على مستوى العالم، بحسب التقارير السنوية الرسمية للشركة.

التكيف والابتكار في مواجهة القيود

استطاعت هواوي التكيف مع هذه القيود من خلال الاستثمار المكثف في البحث والتطوير، وبناء منظومة تكنولوجية محلية بديلة. وتشمل هذه المنظومة تطوير نظام التشغيل HarmonyOS، وإطلاق معالجات Kirin جديدة، والتعاون مع شركات صينية أخرى لإنتاج مكونات رئيسية مثل أشباه الموصلات.

في تصريحات لـ “اقتصاد الشرق”، أشار أستاذ الهندسة وأمن الشبكات في جامعة ولاية سان خوسيه الأمريكية، أحمد بانافع، إلى أن هواوي تجاوزت أصعب مراحل العقوبات عبر بناء قدرات تصنيع محلية واستعادة صدارة سوق الهواتف في الصين مع التوسع في مناطق أخرى. وأضاف أن الشركة لا تزال تعمل بجد لمواكبة القيود المفروضة عليها.

تأثير العقوبات على مكانة هواوي العالمية

على الرغم من نجاحها في السوق المحلية، فقد تراجعت مكانة هواوي العالمية في بعض القطاعات. فقد فقدت الشركة حصتها في أسواق أوروبا وأمريكا الشمالية في قطاع معدات الاتصالات، وحُرمت من الوصول إلى التقنيات المتقدمة التي تحتاجها لتطوير منتجاتها. ومع ذلك، لا تزال هواوي لاعباً مهماً في قطاع الهواتف الذكية، خاصة في الصين والأسواق الناشئة.

عاصم جلال، استشاري العلوم الإدارية وتكنولوجيا المعلومات في “جي آند كيه”، أكد في مقابلة مع “اقتصاد الشرق” على قوة الأداء الداخلي للشركة مقابل ضعف في الأسواق الخارجية، مشيراً إلى قفزة في الإيرادات بنسبة 22.4% في عام 2024. لكنه أضاف أن الأرباح العالمية تراجعت بنسبة 28% وأن حصتها في السوق انخفضت إلى 4%.

صراع الهيمنة التكنولوجية

يعتبر الكثيرون أن العقوبات المفروضة على هواوي ليست مجرد مسألة تتعلق بالأمن القومي، بل هي جزء من صراع أكبر على الهيمنة التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين. تتهم واشنطن هواوي بالتجسس وسرقة الملكية الفكرية، بينما تتهم بكين الولايات المتحدة بمحاولة عرقلة صعودها كقوة تكنولوجية عالمية.

ويرى دكستر ثيلين، محلل رئيسي للتكنولوجيا والاتصالات في “إكونوميست إنتليجنس يونيت”، أن هواوي أصبحت أضعف عالمياً بسبب عدم قدرتها على الوصول إلى متجر Google Play وحظرها من أسواق الجيل الخامس، مشيراً إلى أن العقوبات كان يمكن أن تكون أكثر تدميراً لولا تنويع أعمالها ودعم الحكومة الصينية.

الشرق الأوسط كمركز لتوسع هواوي

تعتبر منطقة الشرق الأوسط سوقاً استراتيجية بالنسبة لهواوي، حيث تسعى الشركة إلى توسيع نطاق عملياتها في مجالات مثل شبكات الجيل الخامس، والحوسبة السحابية، والمدن الذكية. تشير التقارير إلى أن هواوي لديها شراكات واتفاقيات مع العديد من الدول في المنطقة، بما في ذلك مصر ودول الخليج العربي.

يرى جلال أن هواوي أصبحت أداة نفوذ صينية في الخليج، مستفيدة من الأسعار التنافسية والتوافق مع استراتيجيات التحول الرقمي في المنطقة. وأضاف بانافع أن الشركة تستفيد من الإقبال على الماركات الصينية في بعض الأسواق.

المستقبل: استقلالية تكنولوجية متزايدة أم تحديات مستمرة؟

تواصل هواوي جهودها لتحقيق الاستقلالية التكنولوجية من خلال الاستثمار في البحث والتطوير وبناء منظومة تكنولوجية محلية. ومع ذلك، لا تزال الشركة تواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك نقص الوصول إلى التقنيات المتقدمة وارتفاع تكاليف الإنتاج. يتوقع المراقبون أن هواوي ستستمر في التركيز على السوق المحلية الصينية، بينما تسعى إلى توسيع نطاق عملياتها في الأسواق الناشئة. تشكل القيود والتطورات المستمرة فرصة هامة لتطوير بدائل محلية لرقائق أشباه الموصلات، وتسريع وتيرة التحول الرقمي في الصين. من المتوقع أن يزداد تأثير السياسات الحكومية والقيود التجارية على مستقبل هواوي ومسار التكنولوجيا العالمي.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version