حقائق متلاحقة لازالت تتكشف كل يوم أمام رجال الشرطة ، حول الجريمة البشعة التي وقعت منذ بضعة أيام، وهزت أركان مدينة الإسماعيلية، عندما تلقت الأجهزة الأمنية بلاغًا بالعثور على جثة طفل ممزقة إلى أشلاء، وبتكثيف جهود البحث تبين أن القاتل هو طفل لا يتجاوز عمره الثلاثة عشر عامًا، قام بقتل زميلًا له بالمدرسة يصغره بعام واحد فقط، انتقامًا منه لوجود خلافات بينهما، وحسب روايات الأهالي، فإن والدة الجاني انفصلت عن والده وتزوجت من عمه، مما أثر عليه نفسيًا، وأبيه يعمل نجارًا يخرج للعمل من الصباح الباكر ولا يعود إلا قبل منتصف الليل، وابنه القاتل معروف بانطوائيته وهدوءه، ليس له أصدقاء بالمنطقة، كما أنه لا يظهر كثيرًا بالشارع،، أما التفاصيل الأبشع في تلك الحادثة المروعة، هي ترتيب أفكار مرتكب الجريمة وتخطيطه بناءً على ما شاهده بمسلسل أجنبي لقاتل متسلسل ينفذ جريمته بنفس الطريقة، وفي رواية أخرى بعد مشاهدته ألعابًا اليكترونية دموية – فقام باستدراج زميله إلى بيته بمنطقة المحطة الجديدة التابعة لحي أول الإسماعيلية بغرض إنهاء حياته، واعتدى على رأسه بشاكوش، وبعد أن تأكد من وفاته، أحضر المنشار الكهربائي الخاص بوالده، وقام بتقطيع الجثة إلى ستة أجزاء حملها في أكياس ألقاها بأماكن متفرقة، ثم أكتشفها الأهالي فيما بعد، ولازال البحث الشرطي والجنائي مستمر لمزيد من المعلومات حول الجريمة البشعة.

وبالنظر عزيزي القاريء إلى أبعاد الجريمة نادرة الحدوث من الأطفال، وتفسير قسوة الانتقام التي تولدت لدى القاتل، لينفذ جريمته بلا رهبة أو تراجع، سنجد أن الضغوط النفسية التي تولدت من انفصال والديه بين أهم الأسباب، وهو على أعتاب التحول من الطفولة البريئة للمراهقة – أعقد المراحل الانتقالية في حياة الإنسان، حيث الصراع بين التدفق الهرموني والتغيرات الجسدية من جهة، وكذلك الثوابت والأصول الاجتماعية الحاكمة لتصرفات الفرد من جهة أخرى، ويلعب خلال تلك المرحلة الآباء والأمهات دورًا محوريًا تبادليًا، للسيطرة على هذا الزلزال الداخلي لأبنائهم، بالإضافة لاختلاف طبائع وميول الصغار وضرورة فهم كيفية إدارة شخصياتهم بحكمة ووعي، لأن الطفل الذي نفذ الجريمة بثبات وتبلد مشاعر، افتقد بكل تأكيد للحنان والدفء العائلي، وتكبد مشقة رعاية أشقاءه الصغار مع شقيقته البالغة من العمر ٦ سنوات، وصارع الإحساس بالقهر وربما التنمر بعد زواج أمه من عمه، مما ولد لديه مشاعر سلبية دفينة من عدم الثقة في النفس، وفي المجتمع، وميول انتقامية انعكست على طريقة مواجهته لكل هذا الكم من الحزن والكآبة بحياته البائسة، ناهيك عن انشغال الأب وعدم القدرة على الاكتراث بهموم أكبر أطفاله وراعيهم الأول، في ظل غيابه لساعات طويلة يوميًأ خارج البيت.

وعطفاً على ملابسات أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها بتلك الجريمة البشعة، سنجد أننا أمام مصطلح لفت نظري بشدة هو《البرمجة النفسية》 أطلقه خبراء أمنيون وإلكترونيون على ظاهرة تقليد النشاطات الدموية بالألعاب الإلكترونية، والتي اعتبروها أداة لتطبيع العنف، وتغذية خلفية للسلوك العدواني، وليست مجرد وسيلة تكنولوجية مستحدثة للتسلية. وفي هذا السياق يؤكد الدكتور “محمد محسن رمضان” رئيس وحدة الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، بمركز العرب للأبحاث والدراسات، في تقرير نشره موقع “العربية نت”، ويمثل من وجهة نظري تشريح دقيق وناقوس خطر لكل أسرة عن تلك الآلية الخبيثة،، جاء فيه: أن الألعاب الرقمية الحديثة أصبحت منظومات متكاملة من التحفيز السلوكي (Behavioral Conditioning) تعمل على إعادة تشكيل إدراك اللاعب واستثارة مراكز المكافأة والعنف داخل دماغه، موضحاً أن كثيراً من الألعاب تعتمد على نظام القتل مقابل النقاط والمكافأة عند تنفيذ مهام عنيفة، مما يُكوّن مع الوقت ارتباطاً شرطياً بين “العنف” و”النجاح”، فينمو لدى الطفل شعورٌ بأن ((القسوة هي الوسيلة الطبيعية للتغلب على الخصوم))، وبعض الألعاب أو مقاطع البث داخلها تحتوي على رسائل مموهة وتحديات موجهة، مثل تحريض الأطفال على خوض “تحديات الموت” أو إيذاء الذات، وتصوير عمليات قتل أو عنف بأسلوب المغامرة والبطولة، وإدخال الأطفال في غرف محادثة سرية تضم أشخاصاً بالغين مجهولي الهوية، يتلاعبون بعقولهم، موضحاً أن تلك الألعاب تشمل بث محتوى يتسلل عبر الألعاب المجانية التي تبدو بريئة – لكنها تحتوي على خوارزميات توصية (Recommendation Algorithms) تقود الطفل تدريجياً نحو محتوى مظلم.

لذا أرى بأننا أصبحنا مطالبين كأهل بشحن بطاريات المسئولية الأبوية تجاه فلذات أكبادنا، لأقصى درجة ممكنة، من الاحتواء والتوجيه، والمتابعة المبنية على العلم بالشيء لا الجهل به، وتتبع اهتماماتهم وشغفهم في العموم، ومن ثم تحذيرهم وتنبيههم بالأخطار المحدقة، ولا أحد ينكر أن التحديثات والتطورات التكنولوجية والبرمجية أصبحت واقعًا معاش، كذلك صانعي الشر لا يتوقفون عن ملاحقة أجيال الأمل  والمستقبل – يراهنون دائمًا على تدميرهم ذاتيًا، ولوجًا إليهم من باب 《حب الاستطلاع》كغريزة إنسانية – لكنني على يقين بأننا لدينا برمجتنا النفسية العكسية، التي يجب بناء خوارزمياتها الخاصة، على قواعد لا يمكن إختراقها بشريًا، تأسست على تقوية الوازع الديني ورفض الشذوذ الفكري، والتوعية المستمرة بالمخططات المحاكة ضدنا.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version