في وقت تتصاعد فيه التوترات الإقليمية وتستمر النزاعات في الشرق الأوسط، ألقى استطلاع جديد أجرته صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية، بالتعاون مع مؤسسة “مور إن كومون” البحثية، الضوء على تحوّل ملحوظ في مواقف البريطانيين تجاه قضايا سياسية حساسة مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الهجرة، ومكانة بلادهم على الساحة الدولية. نتائج الاستطلاع كشفت عن تعاطف متزايد مع الفلسطينيين، خصوصًا بين فئة الشباب، وارتباك واضح حيال السياسات الإسرائيلية، إلى جانب مشاعر متنامية بالقلق تجاه مستقبل العالم.

الشباب يقودون التحول.. إسرائيل تحت مجهر الانتقاد

أحد أبرز ما جاء في نتائج الاستطلاع هو أن 21% من البريطانيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا يرون أن إسرائيل لا تملك الحق في الوجود، وهي نسبة تعكس تحولًا جوهريًا في المواقف السياسية داخل الجيل الأصغر. كما أظهر الاستطلاع أن 45% من الشباب أعربوا عن تعاطفهم مع فلسطين، مقابل 15% فقط تعاطفوا مع إسرائيل.

بشكل عام، قال 29% من المشاركين إنهم يتعاطفون أكثر مع الجانب الفلسطيني، مقارنةً بـ 15% أيدوا إسرائيل، فيما لم يبدِ 27% تعاطفهم مع أي من الطرفين، وأكد 16% دعمهم للطرفين بالتساوي.

رؤية سلبية للوضع العالمي.. وقلق متزايد من التصعيد

وصف معظم البريطانيين العالم في عام 2025 بكلمتين هما “فوضوي” و”خطير”، في دلالة واضحة على المزاج القلق السائد في البلاد. كما أشار نصف المشاركين تقريبًا إلى أن الرد العسكري الإسرائيلي على غزة كان غير متناسب مع هجوم حماس في 7 أكتوبر الماضي، بينما رأى 28% أنه كان مبررًا، و24% قالوا إنهم لا يعرفون.

انقسام حول تصدير السلاح.. ودعوات لفرض حظر شامل

أظهرت نتائج الاستطلاع انقسامًا حول سياسة بريطانيا في تصدير الأسلحة لإسرائيل. فقد أعرب 41% من المشاركين عن تأييدهم لدعوة برلمانية تطالب بفرض حظر كامل على تصدير الأسلحة لإسرائيل. في المقابل، وافق 23% على تصدير الأسلحة لأغراض دفاعية فقط، فيما أيد 14% تصديرها لأغراض دفاعية وهجومية.

السلام في الشرق الأوسط

أبدى أكثر من نصف البريطانيين المشاركين تشاؤمهم تجاه تحقيق السلام في الشرق الأوسط خلال حياتهم، بينما أبدى 25% فقط تفاؤلًا حذرًا بإمكانية حدوثه. وفي سؤال حول ما إذا كانت “حماس” تمثل الشعب الفلسطيني، أجاب 50% بالنفي، فيما قال 16% إنها تمثله، وهي نسبة ارتفعت بثلاث نقاط مئوية منذ أكتوبر 2023.

وسائل التواصل الاجتماعي.. صراع روايات ودلالات الرأي

تناول الاستطلاع أيضًا تأثير الصراع على سلوكيات البريطانيين على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث قال 34% إن لديهم نظرة سلبية تجاه من ينشرون دعمًا لإسرائيل على هذه المنصات، بينما أبدى 22% نفس الشعور تجاه الداعمين لغزة. هذا التباين يعكس درجة الاستقطاب المتزايدة في الفضاء العام البريطاني.

حظر “فلسطين أكشن” وعقوبة فرقة موسيقية يثيران الجدل

أثار حظر جماعة “فلسطين أكشن” من قِبل السلطات البريطانية ردود فعل متباينة، حيث وافق 41% من المشاركين على الحظر، بينما اعتبره 29% قرارًا خاطئًا. ولفت الاستطلاع إلى أن أولئك المتعاطفين مع فلسطين كانوا أكثر ميلاً لرفض الحظر بنسبة 63%.

أما بشأن فرقة “بوب فيلان” الموسيقية، التي تم إيقافها بعد هتاف مثير للجدل في مهرجان جلاستونبري، فقد أيد 57% من البريطانيين العقوبة المفروضة عليها، ما يشير إلى وجود حساسيات عالية في المجتمع تجاه التصريحات المرتبطة بالصراع.

بريطانيا في مفترق طرق أخلاقي وسياسي

يعكس هذا الاستطلاع تغيرًا ملموسًا في المزاج العام البريطاني، حيث أصبح جيل الشباب أكثر صراحة وانتقادًا لسياسات إسرائيل، وأكثر ميلًا للتعاطف مع المظلومين في النزاعات الدولية. في الوقت ذاته، تكشف الأرقام عن مجتمع يعيش حالة من القلق والارتباك حيال مستقبل بلاده وموقعها في عالم مضطرب. تبقى هذه المؤشرات دعوة مفتوحة لصناع القرار في بريطانيا لمراجعة سياساتهم، ليس فقط تجاه الشرق الأوسط، بل أيضًا تجاه الداخل البريطاني الذي يشهد تحولًا في وعيه السياسي والاجتماعي.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version