في خطوة جديدة تؤكد عزم الدولة المصرية على قيادة التحول الرقمي في المنطقة، أعلن البنك المركزي المصري عن إطلاق الموقع الرسمي لمنصة «هوية – Haweya»، تمهيدًا لإصدار التطبيق الإلكتروني خلال الفترة المقبلة.
المنصة تعد أحد أكبر مشروعات البنك المركزي في مجال التكنولوجيا المالية (FinTech)، وتهدف إلى إنشاء هوية رقمية موحدة لكل مواطن مصري، تمكّنه من إجراء معاملاته البنكية والمالية من أي مكان بسهولة وأمان، دون الحاجة إلى الذهاب للفروع أو استخدام المستندات الورقية.
بهذه الخطوة، تدخل مصر مرحلة جديدة في بناء الاقتصاد الرقمي المتكامل، عبر مشروع يُتوقع أن يُحدث تحولًا نوعيًا في طريقة تعامل المواطنين مع الخدمات المالية والمصرفية والحكومية، ويعزز مكانة البلاد كمركز إقليمي للابتكار المالي في الشرق الأوسط وأفريقيا.
«هوية».. جواز السفر الرقمي للمواطن المصري
يأتي تطبيق «هوية» ليكون بمثابة جواز سفر رقمي موحد، يتيح للمستخدمين تنفيذ معاملاتهم البنكية والمصرفية وخدمات الاتصالات إلكترونيًا، من خلال منظومة تعتمد على التحقق البيومتري مثل بصمة الوجه والبصمة الإصبعية والتوقيع الرقمي.
ويهدف التطبيق إلى تسهيل الوصول إلى الخدمات الحكومية والخاصة دون عناء، من خلال تجربة رقمية آمنة ومتكاملة، تضع المواطن في قلب العملية الرقمية وتمنحه سيطرة كاملة على بياناته الشخصية.
ثورة في التحقق الرقمي
يشكل تطبيق «هوية» الأساس لمفهوم اعرف عميلك الإلكترونية (eKYC)، وهي منظومة حديثة تتيح التحقق من هوية المستخدم رقميًا بسرعة ودقة، بما يتيح فتح الحسابات البنكية عن بُعد، والاشتراك في المحافظ الإلكترونية، وإدارة خطوط الهاتف المحمول.
كما تفتح هذه المنظومة الباب أمام خدمات رقمية أوسع تشمل التوقيع الإلكتروني، والوصول إلى الخدمات الحكومية والخاصة، دون الحاجة لأي أوراق أو توقيعات ورقية.
مميزات تطبيق «هوية»
فتح الحسابات البنكية عن بُعد دون زيارة الفروع.
الاشتراك في المحافظ الإلكترونية بسهولة وإدارتها بمرونة.
ربط خطوط الهاتف بالهوية الرقمية لتأكيد الأمان والمطابقة.
الوصول إلى الخدمات الحكومية والخاصة إلكترونيًا بأعلى معايير الأمان.
تنفيذ المعاملات الرقمية بالكامل دون الحاجة لمستندات ورقية أو تواقيع تقليدية.
قيادة المشروع.. كفاءات وطنية بخبرة عالمية
يقود تنفيذ مشروع «هوية» فريق وطني رفيع المستوى من الكفاءات المدعومة من البنك المركزي المصري، وهم:
تامر جاد الله – الرئيس التنفيذي للمشروع، بخبرة واسعة في التحول الرقمي وإدارة الابتكار.
محمد مجدي حلمي – رئيس العمليات، يتمتع بخبرة متميزة في تطوير المنظومات التشغيلية.
معتصم المكّاوي – المدير المالي، المسؤول عن استدامة البنية الاقتصادية للمشروع.
كريم إسماعيل – المدير التجاري، المشرف على استراتيجية النمو وبناء الشراكات.
ويأتي هذا الفريق ليرسم ملامح مستقبل رقمي جديد، يربط بين المواطنين والبنوك والحكومة عبر منظومة واحدة مؤمنة ومتطورة.
الهوية الرقمية قفزة اقتصادية نوعية
في سياق متصل، أكد الدكتور رمضان مَعن، رئيس قسم الاقتصاد والمالية العامة بجامعة طنطا، أن إطلاق منصة الهوية الرقمية “هوية” يمثل قفزة نوعية في مسار الإصلاح الاقتصادي والتحول نحو مجتمع رقمي متكامل، موضحًا أن المردود الاقتصادي من هذه الخطوة سيكون واسع النطاق على المستويين الفردي والمؤسسي.
تعزيز الاقتصاد غير النقدي وتقليل التكاليف
أوضح الدكتور رمضان مَعن أن تطبيق “هوية” يدعم بشكل مباشر توجه الدولة والبنك المركزي نحو تقليل الاعتماد على المعاملات النقدية التقليدية، وهو ما يساهم في خفض تكاليف الطباعة والنقل والتأمين النقدي، إضافة إلى الحد من التهرب الضريبي، عبر توثيق كل المعاملات إلكترونيًا داخل منظومة رقمية مؤمنة.
وأشار إلى أن التحول نحو الاقتصاد غير النقدي يسهم في زيادة الحصيلة الضريبية بشكل غير مباشر، لأن كل معاملة تتم إلكترونيًا تكون موثقة ويمكن تتبعها بسهولة، مما يعزز الشفافية في النشاط الاقتصادي ويقوي قدرة الدولة على التخطيط المالي بدقة.
تيسير الخدمات البنكية للعملاء وتوسيع قاعدة الشمول المالي
وأكد الخبير الاقتصادي أن الهوية الرقمية ستحدث ثورة في الخدمات البنكية داخل مصر، إذ ستُمكّن المواطنين من فتح حسابات مصرفية إلكترونيًا دون الحاجة للذهاب إلى الفروع، وتنفيذ كافة المعاملات البنكية من خلال الهاتف المحمول بأمان تام.
وأضاف أن هذا التطور سيساعد في توسيع قاعدة الشمول المالي، من خلال إدماج فئات المجتمع التي كانت تجد صعوبة في التعامل مع البنوك التقليدية، خصوصًا في المناطق الريفية والنائية، مما يزيد من نسبة المتعاملين مع النظام المصرفي ويعزز حجم السيولة داخل الاقتصاد الرسمي.
تحفيز الاستثمار والتجارة الإلكترونية
وأوضح الدكتور مَعن أن مشروع الهوية الرقمية سيسهم في تحسين بيئة الاستثمار داخل مصر، إذ يسهّل على الشركات والأفراد توثيق العقود والمستندات والمعاملات الإدارية إلكترونيًا، مما يقلل من الزمن والتكلفة المرتبطة بالإجراءات البيروقراطية.
وأضاف أن المنصة الجديدة ستمنح دفعة قوية لقطاع التجارة الإلكترونية، إذ سيصبح التحقق من هوية العملاء والتجار أكثر موثوقية وأمانًا، مما يزيد ثقة المستهلكين والمستثمرين في السوق المصرية.
تسريع وتيرة التحول الرقمي ضمن رؤية مصر 2030
وأكد رئيس قسم الاقتصاد أن هذا المشروع يتماشى مع رؤية مصر 2030 التي تستهدف بناء اقتصاد رقمي متكامل ومستدام، يقوم على التكنولوجيا والابتكار، مشيرًا إلى أن الهوية الرقمية تمثل الركيزة الأساسية للبنية التحتية الرقمية، التي ستربط بين القطاعات المصرفية، والحكومية، وشركات الاتصالات، ومزودي الخدمات.
وأشار إلى أن الإشراف المباشر للبنك المركزي على المنصة، وامتلاكه 55% من رأسمالها الذي يبلغ نحو 275 مليون جنيه، يؤكد حرص الدولة على بناء منظومة رقمية وطنية آمنة ومستقلة، تمهد الطريق لمزيد من التطبيقات المالية المبتكرة خلال السنوات المقبلة.
مصر على أعتاب ثورة رقمية جديدة
واختتم الدكتور رمضان مَعن تصريحاته بالتأكيد على أن الهوية الرقمية ليست مجرد تطبيق إلكتروني، بل هي نواة لمجتمع رقمي شامل يسهل حياة المواطنين، ويدعم الاقتصاد الوطني، ويعزز ثقة العالم في كفاءة البنية التكنولوجية المصرية.
وقال إن نجاح تجربة “هوية” سيضع مصر بين الدول الرائدة في التحول الرقمي بالشرق الأوسط وأفريقيا، ويُسهم في جذب المزيد من الاستثمارات، وتحسين ترتيب مصر في مؤشرات الاقتصاد الرقمي العالمية.
نحو مصر رقمية بلا ورق
إطلاق منصة «هوية» يمثل بداية مرحلة جديدة من التحول الرقمي في مصر، حيث تتحول الهوية من مجرد بطاقة تعريف إلى جواز مرور إلكتروني نحو كل الخدمات الحكومية والمالية.
ومع اكتمال المنظومة خلال الأعوام المقبلة، سيصبح المواطن المصري قادرًا على إدارة حياته المالية والإدارية عبر هاتفه فقط، في خطوة تعزز مكانة مصر كدولة حديثة تسابق الزمن لبناء مستقبل رقمي آمن وشامل.