منذ سنوات طويلة، يتردد في الأوساط السياسية والعسكرية طرح فكرة إنشاء “قوة عربية مشتركة” تكون بمثابة ذراع عسكري موحد للدول العربية تحت مظلة جامعة الدول العربية. غير أن هذا المشروع، الذي اعتبره البعض خطوة استراتيجية لحماية الأمن القومي العربي، ظل حبيس الأوراق والبيانات دون أن يرى النور. وفي هذا السياق، أعاد اللواء سمير فرج، المفكر الاستراتيجي، فتح الملف مجددًا، مشيرًا إلى العوائق التي حالت دون تنفيذ الفكرة رغم وضوح ملامحها النظرية.
مشروع لم يكتمل
يؤكد اللواء فرج أنه دعا بنفسه منذ أكثر من عقد إلى تأسيس هذه القوة، لافتًا إلى أن الفكرة وُضعت على الطاولة بالفعل في أروقة الجامعة العربية، لكن غياب الإرادة السياسية وتدخلات القوى الخارجية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ساهمت في تجميد المشروع. ويرى أن الحلم العربي بجيش موحد اصطدم بواقع سياسي وإقليمي مليء بالتحديات والتباينات.
آلية التنفيذ على الورق
بحسب فرج، فإن التصور النظري لإنشاء القوة كان واضحًا: كل دولة عربية تقدم قوة عسكرية تتناسب مع قدراتها؛ فمصر، على سبيل المثال، قادرة على إرسال فرقة عسكرية قوامها 40 ألف جندي، بينما تشارك الأردن أو المغرب بكتيبة أو لواء. وتكون القيادة موحدة والمهام محددة، بما يضمن فعالية التحرك العسكري المشترك. لكن هذه الرؤية كما يقول ما زالت أقرب إلى الحلم منها إلى التطبيق.
دروس من تجارب سابقة
استشهد فرج بتجارب عسكرية عربية سابقة، أبرزها تجربة “درع الخليج”، التي لم تحقق نتائج ملموسة على أرض الواقع. وهو ما يجعله أكثر تحفظًا تجاه فرص نجاح مشروع القوة العربية المشتركة، معتبرًا أن الإرادة السياسية المنقسمة بين الدول العربية تظل العقبة الأكبر أمام أي خطوة عملية.
دور القوى الخارجية
وأشار المفكر الاستراتيجي إلى أن أي محاولة جادة لإنشاء قوة عربية مستقلة ستصطدم بموقف الولايات المتحدة، التي لن تسمح على حد تعبيره بقيام قوة عسكرية قد تتعارض مع مصالحها في المنطقة. وهنا يتجلى البعد الدولي كعامل مؤثر في تعطيل المشروع، بجانب الخلافات الداخلية بين الدول العربية نفسها.
يبقى مشروع “القوة العربية المشتركة” حلماً مؤجلاً يراود العقول العربية، لكنه يفتقر إلى أدوات التنفيذ وسط واقع سياسي معقد ومصالح متشابكة. وبينما يرى البعض أن الظروف الحالية أكثر إلحاحًا لبعث هذا المشروع من جديد، يرى آخرون أن الطريق ما زال طويلاً وشائكًا. وبين الرغبة في الوحدة والتحديات القائمة، يظل السؤال مطروحًا.. هل يمكن أن نشهد يومًا قوة عربية موحدة تتجاوز الخلافات وتدافع عن الأمن القومي العربي؟