في خطوة تشريعية تهدف إلى تطوير نظام إدارة وحوكمة الثروة العقارية في مصر، نُشر في العدد 24 (مكرر) من الجريدة الرسمية قانون رقم 88 لسنة 2025 بشأن إنشاء قاعدة بيانات الرقم القومي الموحد للعقارات، في إطار مشروع وطني شامل يُعزز التحول الرقمي ويربط العقارات بهوية رقمية موحدة. ويُمثل هذا القانون نقلة نوعية في نظم تخطيط وإدارة العقارات، إذ يرسخ مبدأ الشفافية والدقة في البيانات، ويساعد في دعم جهود الدولة في التخطيط العمراني ومكافحة العشوائيات.
المادة الأولى.. مصطلحات ومفاهيم مركزية
حددت المادة الأولى من القانون المصطلحات الأساسية التي سيتم الاعتماد عليها في تنفيذ أحكامه، وفيما يلي أبرز التعريفات:
• العقار:
يشمل الأراضي والمباني والمنشآت بكافة أنواعها وأغراضها، سواء كانت مستغلة أو غير مستغلة، ما يمنح القانون طابعًا شموليًا في تغطية كل عناصر الثروة العقارية في مصر.
• خريطة الأساس الموحدة:
تمثل خريطة رقمية مرجعية تشمل البيانات المكانية لكل المعالم الجغرافية في جمهورية مصر العربية، وتُنتجها وتُحدثها إدارة المساحة العسكرية، بما يضمن استدامة ودقة تحديثات النظام المكاني.
• كود السراج:
هو معرّف رقمي غير قابل للتكرار يُمنح لكل معلم جغرافي في الخريطة الموحدة، ويُعد العنصر الرئيسي في ترميز العقارات. يتم إنتاجه بناءً على المواصفات القياسية للبنية التحتية الإقليمية والمكانية في مصر.
• البيئة المؤمنة للمنظومة:
بيئة رقمية متكاملة تشمل كل مقومات الحماية السيبرانية لمنظومة البنية المعلوماتية، ما يمنع اختراق أو تلاعب في قاعدة البيانات العقارية، ويعزز موثوقية النظام.
• منظومة البنية المعلوماتية المكانية:
هي المنصة الرقمية الوحيدة المخولة باستضافة خريطة الأساس الموحدة، وإتاحة البيانات المكانية وتداولها. وتُنفذ هذه المنظومة من قبل الوزارة المختصة بالتخطيط بالتعاون مع إدارة المساحة العسكرية، في إطار مشروع قومي لتطوير البنية التحتية الرقمية للتخطيط.
• الصورة التقنية غير التفاعلية:
طريقة رقمية تتيح الاطلاع على البيانات المكانية دون القدرة على تعديلها أو التلاعب بها، لضمان نزاهة وسلامة المعلومات المنشورة.
وسائل التعريف الرقمية للعقارات
أدخل القانون وسيلتين رقميتين لتعريف وتوثيق العقارات:
• البطاقة التعريفية: بطاقة إلكترونية أو مادية تحتوي على الرقم القومي الموحد للعقار، وتُستخدم من قبل صاحب الشأن، ويمكن قراءتها عبر رمز الاستجابة السريعة (QR Code) أو تقنيات حديثة أخرى.
• اللوحة التعريفية: لوحة تُثبت على العقار نفسه، وتتضمن رقمه القومي وبياناته التعريفية، وتُقرأ إلكترونيًا بنفس التقنية، ما يُسهّل التحقق من ملكية العقار ومواصفاته على الأرض.
ويشير القانون إلى مفهوم “الحدود الشرطية”، أي القطاعات الجغرافية التي تتبع لهيئة الشرطة، والتي يصدر بتحديدها قرار من وزير الداخلية. ويُراعى هذا التقسيم في تنظيم العقارات وربطها بالنطاقات الأمنية.
أهمية القانون وتداعياته
يمثل هذا القانون أحد أهم أركان مشروع التحول الرقمي العقاري في مصر، ويهدف إلى:
• مكافحة التعديات والتزوير العقاري.
• تسهيل الإجراءات الحكومية الخاصة بالملكية والتراخيص.
• تعزيز التكامل بين الجهات الحكومية في إدارة الأصول العقارية.
• تمكين المواطنين من الوصول إلى بيانات عقاراتهم إلكترونيًا بكل شفافية.
• تحسين جودة الخدمات العقارية وتسهيل المعاملات البيعية والإدارية.
بقانون الرقم القومي الموحد للعقارات، تبدأ مصر رحلة جادة نحو رقمنة الثروة العقارية، وتحقيق الشفافية والعدالة في منظومة إدارة الأراضي والمباني. ومع دخول القانون حيز التنفيذ، يُتوقع أن يشهد قطاع العقارات تحولًا نوعيًا في الهيكلة والرقابة والحوكمة، بما يعزز رؤية الدولة نحو تنمية عمرانية مستدامة وشاملة.
نقلة نوعية في إدارة الثروة العقارية
في هذا السياق، قال المحلل الاقتصادي، إسلام الأمين، إن المشروع يُعد نقلة نوعية في منظومة إدارة العقارات، ويأتي في إطار جهود الدولة لتطوير البنية التحتية الرقمية وتعزيز مفاهيم الحوكمة الرشيدة. وأوضح في تصريحات لـ”صدى البلد” أن المشروع هو جزء من استراتيجية أوسع لتحسين جودة الخدمات الحكومية وتسهيل الإجراءات العقارية، بما يُسهم في تعزيز الثقة في السوق وتحقيق استقرار اقتصادي مستدام.
وأشار الأمين إلى أن أحد أبرز مكاسب المشروع هو حل مشكلات هيكلية قديمة كانت تُعيق تطور السوق العقاري، مثل تكرار أسماء الشوارع، وعدم وضوح العناوين، وصعوبة تحديد مواقع العقارات بدقة، وهي تحديات طالما أرهقت المواطنين والمؤسسات على حد سواء.
واقتصاديًا، أكد الأمين أن المشروع الجديد يمثل دفعة قوية لتنمية القطاع العقاري وتعزيز جاذبيته للاستثمار المحلي والأجنبي، لما يوفره من شفافية وتنظيم دقيق للأصول. ورغم أن تكاليف استخراج الرقم القومي للعقار لم تُحدد بعد، فإن العوائد المرتقبة من المشروع تبدو واعدة على المدى الطويل، خاصة مع ما يتيحه من تحسينات كبيرة في إدارة الأصول العقارية وتبسيط المعاملات الرسمية.
بإطلاق مشروع الرقم القومي الموحد للعقارات، تبدأ مصر مرحلة جديدة من التنظيم والتخطيط الحضري الذكي، ما يعزز من قدرتها على تحقيق أهداف التنمية المستدامة وبناء بيئة عمرانية حديثة تستند إلى البيانات والحوكمة الرقمية.