يمثل البحث عن الحياة في أماكن خارج كوكب الأرض أحد المحركات الأساسية لعلم الفلك الحديث وعلوم الكواكب، حيث تقود الولايات المتحدة جهودًا ضخمة لبناء تلسكوبات متقدمة ومركبات فضائية مخصصة لهذا الغرض. وعلى الرغم من التقدم العلمي والتقني، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه العلماء في تفسير ما يُعرف بالبصمات الحيوية، أي العلامات التي قد تشير إلى وجود كائنات حية، فضلًا عن صعوبة تحديد المواقع الفضائية الأنسب للبحث.

نهج علمي جديد لتحديد العوالم الواعدة

بحسب ما نشره موقع “Phys”، طوّر العلماء مؤخرًا نهجًا مبتكرًا، يهدف إلى تحديد الكواكب أو الأقمار الأكثر احتمالًا لاحتضان الحياة، ويساعد في تفسير البصمات الحيوية الغامضة. ويعتمد هذا النهج على نمذجة كيفية تكيف أشكال الحياة المختلفة مع بيئات متنوعة، بالاستناد إلى دراسات علمية حول حدود الحياة على كوكب الأرض.

مشروع “نوتيلوس” وتلسكوبات المستقبل

في إطار هذا التوجه، يعمل العلماء على تطوير كوكبة من التلسكوبات الفضائية تُعرف باسم “نوتيلوس”، مصممة خصيصًا لدراسة مئات الكواكب التي يُعتقد أنها شبيهة بالأرض، خلال عبورها أمام نجومها المضيفة، ويُنتظر أن تسهم هذه التلسكوبات، إلى جانب مشاريع أخرى قيد التطوير، في توفير بيانات دقيقة عن هذه العوالم.

إشكالية تفسير البصمات الحيوية

الجدل العلمي حول علامات الحياة ليس جديدًا، وقد تجلّى مؤخرًا في الجدل المتعلق بالكوكب الخارجي K2-18b، حيث أُعلن في أبريل 2025 عن اكتشاف إشارات محتملة على وجود حياة، إلى جانب مزاعم سابقة حول وجود علامات حياة في الغلاف الجوي لكوكب الزهرة. تعكس هذه الحالات مدى التعقيد الذي يكتنف تفسير البيانات التي يتم جمعها عن بُعد، والتي غالبًا ما تكون غير حاسمة.

ما هو العالم القابل للسكن؟

يُعرّف “العالم القابل للسكن” بأنه الكوكب أو القمر الذي يحتوي على ظروف مناسبة لنشوء الحياة

النهج الكلاسيكي (اتبع الماء)

منذ سنوات، اعتمدت وكالة ناسا مبدأ “اتبع الماء”، إذ يُعد الماء السائل عنصرًا أساسيًا لجميع أشكال الحياة المعروفة، وتكمن الفكرة في أن وجود الماء السائل يشير عادة إلى بيئة معتدلة من حيث الحرارة والضغط، لا تعيق التفاعلات الكيميائية ولا تدمر الجزيئات الحيوية.

ومع ذلك، لم يعد هذا المبدأ كافيًا بمفرده، خاصة مع تزايد تعقيد البيانات والتنوع المحتمل في أشكال الحياة خارج الأرض، لذا هناك حاجة إلى معايير أكثر دقة وكمية لتحديد قابلية الكواكب للسكن.

مشروع “الأرض الغريبة” ونهج متعدد التخصصات

في هذا السياق، أطلق فريق من الباحثين مشروع “الأرض الغريبة” بدعم من وكالة ناسا، حيث تعاون علماء من مختلف التخصصات: الأحياء، الفلك، الكواكب الخارجية، الكيمياء، وعلوم البيئة، ضمن إطار شبكة علوم أنظمة الكواكب الخارجية (NExSS).

كيف يمكننا تحديد احتياجات الحياة إن لم نكن نعرف أشكال الحياة الممكنة خارج الأرض؟

رغم المعرفة العميقة بالحياة الأرضية، فإن العلماء يعترفون بإمكانية وجود كائنات فضائية تعتمد على عناصر كيميائية أو مذيبات غير الماء، مما يجعل وضع معايير دقيقة أكثر تعقيدًا.

كيف نتعامل مع ندرة البيانات؟

نظرًا لأن الموائل المحتملة خارج النظام الشمسي بعيدة جدًا عن متناول المركبات الفضائية، فإن المعلومات المتوفرة غالبًا ما تكون جزئية أو غير مكتملة، ما يتطلب تطوير نماذج قادرة على العمل مع هذا القدر المحدود من البيانات.

نموذج للتعامل مع المجهول

يسعى العلماء إلى بناء نموذج علمي مرن يمكنه التعامل مع الشكوك والنواقص في البيانات، معتمِدًا على الحد الأقصى من المعلومات المتاحة من المراقبة عن بُعد، ومحاكاة سيناريوهات مختلفة لشروط الحياة.

نحو فهم أعمق للحياة في الكون

في النهاية، لا يُعد البحث عن الحياة خارج الأرض مجرد محاولة للإجابة عن سؤال قديم حول ما إذا كنا وحدنا في الكون، بل هو مسعى لفهم حدود الحياة ذاتها، وإعادة تعريف “الملائمة الحيوية” في سياقات كونية لم نتخيلها بعد

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version