في تحقيق استقصائي موسّع نشر في الملحق الاسبوعي لصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، أعده الصحفيان الإسرائيليان رونين بيرجمان و يوفال روبوفيتز ، استند الكاتبان إلى آلاف الوثائق التي رُفعت عنها السرية مؤخراً، وإلى شهادات نادرة من مسؤولين سابقين في الموساد والجيش الإسرائيلي.
يكشف التحقيق أن أشرف مروان، صهر الرئيس جمال عبد الناصر والمقرّب من أنور السادات، لم يكن كما روّجت له إسرائيل لعقود “أعظم جاسوس في تاريخها”، بل كان في الحقيقة أحد أبرز أدوات خطة الخداع المصرية عشية حرب أكتوبر 1973.
لسنوات طويلة روّجت إسرائيل لأسطورة “الملاك”، الجاسوس الذي قدّم لها أثمن المعلومات من قلب القاهرة، صُوِّر الرجل باعتباره “الكنز الاستخباراتي” الذي أنقذها من مفاجآت الحرب، حتى بات اسمه يدرس في الأوساط الأمنية. لكن ما تكشفه الوثائق اليوم يضعنا أمام حقيقة مغايرة، أشرف مروان لم يكن جاسوساً لإسرائيل، بل كان أذكى أوراق مصر في حرب العقول.
أكبر فشل استخباراتي في تاريخ إسرائيل
لقد أدار مروان خيوط لعبة معقدة بمهارة استثنائية، أعطاهم من المعلومات ما يكفي ليغرس الثقة العمياء في نفسه، وانتقى تسريبات جزئية وصحيحة في ظاهرها، لكنها خُططت لتخدم هدفاً أوحد، تضليل العدو في اللحظة الحاسمة، وهكذا تحولت “الورقة الذهبية” للموساد إلى حصان طروادة مصري زرع الوهم في أروقة تل أبيب، و النتيجة أن القيادة الأمنية الإسرائيلية تأخرت في إدراك أن الحرب على الأبواب، فكانت صدمة أكتوبر 1973 التي لا تزال تُصنّف حتى اليوم كأكبر فشل استخباراتي في تاريخ إسرائيل، الذي أودى بحياة نحو 2400 جندي إسرائيلي، وأحدث شرخا عميقا غير وجه إسرائيل إلى الأبد، كان “الملاك” يعلم جيدا أن السادات والأسد لم يكونا ينويان الانتظار حتى نهاية العام لبدء الحرب، بل كان قد حُدد موعدٌ مُسبقا فياجتماع بدمشق، 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973، يوم كيبور 5734.
وكشف التحقيق العبري، أن الأخطر يتمثل فيعدم استيعاب إسرائيل للدرس، ففي السابع من أكتوبر 2023 تكررت المأساة نفسها، غطرسة استخباراتية، اعتقاد بأن “العدو أضعف”، وإيمان مطلق بأن المراقبة والتكنولوجيا كفيلة بإحباط أي مفاجآت. لكن المفاجأة وقعت، مدمّرة كل أوهام التفوق، ومذكّرة المؤسسة الإسرائيلية بأن الأخطاء الاستراتيجية تتكرر حين يغيب التواضع الاستخباراتي.
وأشار التحقيق إلى أن قصة “الملاك” اليوم لم تعد مجرد فصل في حرب أكتوبر، بل مرآة تكشف عن ثغرات عميقة في البنية الأمنية والعقلية الاستعلائية لإسرائيل. فهي تذكير صارخ بأن الذكاء الحقيقي لا يُقاس بعدد الأجهزة ولا بميزانيات الأمن، بل بالقدرة على قراءة الخصم بعين واقعية، بعيداً عن الغرور.
و أكد التحقيق الإسرائيلي ، أن أشرف مروان، في نهاية المطاف، كان ملاكاً لمصر، وكابوساً لإسرائيل. وما بين أكتوبر 1973 وأكتوبر 2023، يبدو أن دروس التاريخ لا تزال تتكرر، لكن إسرائيل ما زالت ترفض الإصغاء.”