في مساء بارد من مساءات لندن في القرن التاسع عشر، علت دقات ساعة ضخمة من برج مرتفع على ضفاف نهر التايمز، لتعلن عن بداية زمن جديد، في قلب الإمبراطورية البريطانية.
إنها “بيغ بن” الساعة الأشهر في العالم، والتي بدأت عملها رسميًا في مثل ذلك اليوم عام 1859، خلال فترة حكم الملكة فيكتوريا، التي كانت تقود آنذاك واحدة من أوسع الإمبراطوريات في التاريخ.
رمز لعصر القوة والدقة
ولدت فكرة إنشاء برج الساعة بعد الحريق الذي التهم قصر وستمنستر عام 1834، فكان لا بد من إعادة بناءه بشكل أكثر عظمة.
وفي عام 1844، تقرر إدراج ساعة كبرى ضمن تصميم البرج الجديد، ولم تكن الساعة مجرد أداة لقياس الزمن، بل تعبيرًا عن دقة العصر الفيكتوري، وانضباطه، وتقدمه العلمي والصناعي.
وقد عهد إلى المهندس تشارلز باري بتصميم القصر الجديد، بينما تولى المهندس أوغستس بوجن تصميم البرج الذي سيحتضن الساعة.
أما آلية الساعة نفسها، فقد صممها المهندس إدموند بيكيت دينيسون، ونفذها صانع الساعات إدوارد دنت، الذي وافته المنية قبل الانتهاء منها، فأكملها ابنه فريدريك دنت.
أول دقة… وأول عطل
بدأت الساعة عام 1859، ودوّى جرسها الرئيسي، المعروف بـ”بيغ بن”، لأول مرة نفس العام.
اسم “بيغ بن” اطلق على الجرس نفسه، نسبة إلى السير بنجامين هول، المفوض المسؤول عن أعمال التشييد، والذي كان يتمتع ببنية ضخمة جعلت اسمه مناسبًا للجرس العملاق الذي يزن أكثر من 13 طنًا.
لكن المفارقة أن الجرس تشقق بعد أسابيع قليلة من بدء عمله، بسبب مطرقة كانت أثقل من اللازم، ما أجبر المهندسين على التوقف عن استخدامه مؤقتًا، قبل أن يُعاد تشغيله بمطرقة أخف وزنًا، ليستمر منذ ذلك الحين، رمزًا للدقة البريطانية، وشاهدًا على تحولات تاريخية كبرى.
بيغ بن أكثر من مجرد ساعة
مع مرور الزمن، لم تعد “بيغ بن” مجرد ساعة فوق برج، أصبحت رمزًا وطنيًا يعكس ثبات بريطانيا، خاصة خلال الحربين العالميتين.