الوجدان المفعم بالمحبة، الذي نترجم دواخله عبر ممارسات قويمة تنبع من تربية جل اهتمامها غرس القيم، وترسيخ اتصافاتها في الإنسان منذ المهد؛ كي تزهر نفسه، وينمو مكنونه، وتسمو روحه؛ فتطوف في خلدان ضياء الخير، وتهرب من متلون الشرور؛ لتستقر في القلوب المحبة، التي تحرر الذات من غيابات الظلام، وتدفع بها إلى نور الهدى، والإيمان الذي يجعل الفرد يعشق أداء الواجب، ويثابر من أجل تحمل مسئولية أخلاقية تحثه ألا يفارق طريق التقدم، ولا يحيد عن استقامة المسار مهما واجه من تحديات، أو صعوبات في حياته.

ثروتنا، ومدخرنا في تربية جيل يستكمل مراحل الإعمار، الذي يتوجب أن يستدام ما بقيت السماوات، والأرض؛ فتلك غاية الاستخلاف، التي لا مراء حولها؛ لذا تمكث أهمية التربية في خلدنا، ولا تفارقه ما حيينا؛ فلا تاريخ نُحافظ عليه بعيدًا عن تربية الاهتمام بالماضي، ولا حاضر نتذوق سعادته في خضم غياب تربية تحافظ على السلوك القويم، وتهذبه، وترقى من صورته شيئًا فشيئًا، ولا مستقبل نستطيع أن نحقق طموحات رسمناها بتطلعات، وحددناها بأهداف كبرى إذا ما تغافلنا تربية المهد لفلذات الأكباد.

الطبيعة الإنسانية رغم أنها جُلبت على الخير؛ لكنها ترغب في الجموح أحيانًا، وهذا لا يضيرها؛ فتركيبتها خليط ما بين هذا، وذاك؛ لذا تأتي التربية؛ لتعزز مقومات الإيجابية فينا؛ فنميل إلى الرحمة، والعفو، ونبادر بالتعاون والمشاركة، وننحو تجاه العطف، والمحبة، ونرغب في التفكير، والتدبر؛ لنصنع رفاهية مستحقة، ونزود نفوسنا بصبر جميل، ومثابرة تقوى عزيمتنا، وتشد من أزرنا؛ فلا تعصف بنا تموجات الحياة الصعبة، ولا تفرقنا هواجس خلاف زائلة، ولا تحدث بيننا ضغينة، أو تحاقد، أو تحاسد، جراء أعين، لا ترى نور الحياة، الذي يشمل الجميع بضيائه.

الجميع يعلو صوته في خضم ممارسات جيل نتهمه بأنه فاقد للمسئولية؛ لكن مراجعات الحال، والمآل، تؤكد لنا أن الصورة الذهنية لدينا يشوبها ضبابية، لا نود أن نعترف بها؛ فنبادر بإلقاء التهم جزافًا، بل، ندّعى مسببات ساعدت في تقويض الإحساس بالتكليف، وجعلته في ذيل قائمة الأولويات؛ إنها دون جدال تقع في بوتقة التربية منذ المهد، التي تخلق في النفوس الاهتمام بالغير، وتعزيز عمق فهم ماهية، وفلسفة المسئولية، التي نتقبلها طواعية، أو تفرض علينا من قبيل واجبات تأسست على قيم نبيلة، غرست في وجداننا، وألفتها قلوبنا، وترجمتها ممارستنا؛ فخدمة الوالدين قيمة، ومبدأ، لا يقبلان المقارعة.

تربية المهد تمد أروحنا بنور تستثمر طاقته في إخلاص التعامل، وإبداع الممارسة، والحب العميق، الذي يخلو من مآرب على حساب الآخر، كما تخلق فينا الدأب، وحرص السعي، والبعد عن دائرة الاستسلام، والهروب من بقاع الإحباط، الذي يصيب الإنسان بخيبة الأمل، والظن، مجتمعَين، ومهد التربية يمنحنا المقدرة على العطاء، الذي لا ينضب، والسعادة التي تتفجر ينابيعها من وجدان محمّل بالتفاؤل، الذي يقوم على فقه الحياة، ولا يعتمد على طيف أحلام واهية، أو ما يسميها البعض يقظة التمني.

تربية المهد تقوي قلوب أجيال، تمتلك الوعي الرشيد، الذي نستكشف ملامحه في ممارسات غير مسبوقة، نرصدها في حب تراب الوطن، والاصطفاف من أجل خدمة الآخرين، وتمنى تقديم الجميل، وعمق نطالعه من امتلاك ثقافة متنوعة، تبهر من يحاول أن يختبر وجودها في عقول نضجت، وتربت، وترعرعت في بيئات خصبة، لا تتوقف عن غذاء الوجدان بمتلون المعارف، التي تبني أذهان تصنع مستقبلها بترقية مقصودة لممارساتها، التي تنال، وتمتد إلى ألوان الخبرة في مجالاتها النوعية.

هيا بنا نتشارك في بناء إنسان يحمل ماهية الرجولة؛ ليصبح الأبن البار، والأخ السند، والزوج المخلص، والأب القدوة، والفرد المتطلع لمستقبله، وفي ذات المسار نتحصل على فتاة المستقبل، التي تبهرنا بعقلها الناضج، الذي يفوق النظير من بنى جنسها؛ فترقى إلى أعلى درجات العلا؛ فتبنى بيتًا تحصنه بالمحبة، والاحتواء، وتضفى إلى جدرانه الرحمة، والمودة، وتضخ في سقفه فيض ود؛ لتستلهم أفكارًا، تسهم في خلق بيئة الابتكار، والابداع؛ لنتاجها المثمر، وتضحّى زوجة، وأمًّا، ومربية لجيل يدرك ما له، وما عليه؛ ليعيش كرامة الحياة، ويستمتع بمفرداتها.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version