منذ السابع من أكتوبر دخلت القضية الفلسطينية مرحلة جديدة لا تشبه ما قبلها بيوم واحد فقد مثلت تلك اللحظة المفصلية زلزالًا سياسيًا وإنسانيًا أعاد تشكيل الوعي الدولي تجاه الصراع الفلسطيني– الإسرائيلي وأعاد وضع فلسطين في قلب المعادلة الإقليمية والدولية.

وأرى مكاسب الفلسطينيين على الرغم من فداحة الثمن الذي دفعه الشعب الفلسطيني من دماء ودمار وتجويع وتشريد إلا أن هذه التضحيات العظيمة لم تذهب هباءً بل أفرزت واقعًا جديدًا حمل معه مكاسب سياسية ودبلوماسية جوهرية .

ومن أبرز المكاسب الفلسطينية تنامي الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية إلى جانب تجدد بروز الدور المصري باعتباره الضامن التاريخي والفعلي لحقوق الفلسطينيين .

الاحتلال الإسرائيلي حاول لعقود طويلة أن تفرض سياسة الأمر الواقع عبر التوسع الاستيطاني ومصادرة الأراضي وتهويد القدس بينما انشغل العالم بصراعات أخرى وحاول البعض تهميش القضية الفلسطينية أو اختزالها ونسيان المعاناة الإنسانية لكن ما جرى بعد 7 أكتوبر كشف تزييف هذه المقاربة وأثبت أن تجاهل جذور الصراع لا يؤدي إلا إلى انفجارات متكررة تهدد أمن المنطقة والعالم .

ومن هنا بدأت دول كثيرة تعيد النظر في مواقفها لتعلن اعترافها الرسمي بالدولة الفلسطينية في مشهد لم يكن ممكنًا أن يتحقق لولا أن القضية عادت لتتصدر الأجندة الدولية بهذا الشكل .

وجاء الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية هو بلا شك أحد أبرز المكاسب الاستراتيجية ما بعد 7 أكتوبر فهو أولًا يضع الفلسطينيين في موقع قانوني وسياسي جديد يجعلهم كيانًا معترفًا به دوليًا يتمتع بحقوق سيادية لا مجرد سلطة تحت الاحتلال ، وثانيًا يفرض على إسرائيل واقعًا جديدًا حيث لم تعد قادرة على التعامل مع الفلسطينيين كطرف ضعيف أو تابع بل كدولة تحظى بشرعية دولية متنامية ، وثالثًا يفتح أمام الفلسطينيين أبواب المنظمات الدولية بما يمنحهم القدرة على اللجوء إلى القانون الدولي ومحاسبة الاحتلال على جرائمه ويمنع في الوقت نفسه محاولات التهميش أو تجاوز حقوقهم المشروعة .

لكن أرى الاعتراف وحده لا يكفي فالقضية الفلسطينية عبر تاريخها كانت بحاجة دائمًا إلى ظهير عربي قوي يوفر لها الغطاء السياسي والإقليمي وهنا يظهر الدور المصري المستمر كأحد أهم أعمدة المشهد ما بعد 7 أكتوبر فمصر التي ارتبطت بالقضية الفلسطينية جغرافيا وتاريخيا وأمنيا، لم تتردد في تحمل مسؤوليتها بل تحركت منذ اللحظة الأولى على ثلاثة مستويات متكاملة: المستوى الإنساني عبر فتح معبر رفح وتقديم المساعدات والإغاثة، والمستوى السياسي عبر المفاوضات الصعبة للهدنة ووقف إطلاق النار، والمستوى الدبلوماسي عبر تحركات الرئيس عبد الفتاح السيسي في المحافل الدولية للتأكيد على أن أي استقرار حقيقي في المنطقة لن يتحقق دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية .

لأن الدور المصري لم يكن مجرد موقف داعم بل كان مظلة حماية استراتيجية منعت محاولات تصفية القضية أو تهجير الفلسطينيين من أرضهم .

فالقاهرة رفعت الصوت بوضوح ضد أي خطط تهدف إلى تفريغ غزة من سكانها أو فرض واقع جديد بالقوة وأكدت أن الحل الوحيد الممكن هو الاعتراف بالحقوق التاريخية والقانونية للشعب الفلسطيني وهذا الموقف المصري الثابت جعل مصر مركز الثقل في إدارة الأزمة ومكنها من أن تكون الطرف الأكثر ثقة وقدرة على إدارة التوازنات الدقيقة بين الأطراف الإقليمية والدولية .

لذلك تلاقي الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية مع الدور المصري المتجذر يخلق اليوم معادلة إنقاذ حقيقية للشعب الفلسطيني الاعتراف يمنح القضية بعدًا عالميًا وشرعية متصاعدة بينما يوفر الدور المصري الغطاء السياسي والإقليمي الذي يحول دون الالتفاف على هذه الشرعية أو تفريغها من مضمونها .

وهكذا أرى المشهد يصبح أكثر وضوحًا بالنسبة للفلسطينيون رغم التضحيات باتوا اليوم أكثر حضورًا في الوعي الدولي والدولة الفلسطينية أصبحت أكثر واقعية من أي وقت مضى، بفضل التقاء الإرادة الدولية المتنامية مع المظلة المصرية الراسخة.

المشهد بعد 7 أكتوبر ليس مجرد استمرار لصراع طويل بل هو بداية مرحلة جديدة قد تكون أصعب وأشد تعقيدًا لكنها تحمل فرصًا تاريخية للفلسطينيين فالمجتمع الدولي بات مقتنعًا أن تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني يقود إلى الفوضى والدول الكبرى باتت تدرك أن إقامة الدولة الفلسطينية ليست ترفًا سياسيًا بل ضرورة إقليمية وعالمية .

ومصر من موقعها ودورها تضطلع بمسؤوليتها التاريخية في حماية هذه الفرصة وضمان أن تتحول إلى واقع ملموس على الأرض .
لإن الاعتراف الدولي والدور المصري ليسا خطين متوازيين بل هما مساران متكاملان يلتقيان في نقطة واحدة: إنقاذ فلسطين وإحياء الأمل في الدولة المستقلة وهذه هي المعادلة الجديدة التي بدأت تتشكل ما بعد 7 أكتوبر معادلة الأمل الأخير لفلسطين والتي سيكون لها الكلمة والفصل في تحديد مستقبل الصراع والمنطقة بأسرها .

فإما أن يترجم العالم هذه الشرعية إلى خطوات عملية تضع حدًا للاحتلال وتمنح الفلسطينيين دولتهم المستقلة وإما أن تستمر دوامة الدماء التي لن يربح منها أحد لإن فلسطين اليوم ليست مجرد قضية بل هي بوابة الاستقرار أو الفوضى في الشرق الأوسط وهي امتحان أخلاقي وسياسي للمجتمع الدولي كله .

ولعل الرسالة الأبلغ التي ينبغي أن تصل إلى الجميع هي أن الشعب الفلسطيني، رغم جراحه وآلامه، لن يتراجع عن حقه في الحرية والدولة، وأن مصر ومعها العرب الأحرار ستبقَى سندًا لهذه القضية حتى تتحقق على الأرض دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، لأن فلسطين ببساطة ليست خيارًا سياسيًا بل قدرًا تاريخيًا وأمانة في عنق الأمة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version