في ظل مناخ اقتصادي عالمي مشحون بالتحديات والتقلبات، تأتي الأخبار من القاهرة محمّلة برسائل طمأنة قوية. 

وأعلن البنك المركزي المصري عن ارتفاع صافي الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى 49.03 مليار دولار بنهاية يوليو 2025، في خطوة تعكس صمود الاقتصاد الوطني وقدرته على التكيف مع الأزمات، بل والتقدم بثبات نحو الاستقرار والنمو.

هذا الإعلان لم يكن مجرد رقم جديد يضاف إلى التقارير الرسمية، بل أثار اهتمام الأوساط الاقتصادية محلياً ودولياً، لما يحمله من دلالات عميقة على صعيد السياسة النقدية والمالية، كما فتح الباب للتفاؤل بشأن مستقبل الاقتصاد المصري في الأجلين القريب والبعيد.

مكونات الاحتياطي.. تنوع واستراتيجية محسوبة

يتألف الاحتياطي الأجنبي من مزيج دقيق من العملات العالمية الكبرى مثل الدولار الأمريكي، اليورو، الجنيه الإسترليني، الين الياباني، واليوان الصيني، إلى جانب الذهب. ويتم توزيع هذه الحيازات وفقاً لخطة مدروسة من قبل البنك المركزي المصري، تأخذ في الاعتبار تحركات أسعار الصرف العالمية واستقرار الأسواق.

لكن ما يجعل هذا الاحتياطي فاعلاً أكثر من كونه مجرد رصيد مصرفي، هو وظيفته الأساسية في حماية الاقتصاد، عبر تأمين واردات السلع الأساسية، وسداد التزامات الديون الخارجية، والاستعداد لمواجهة الصدمات المالية الطارئة.
 

تحسن لافت في المؤشرات الاقتصادية

علق الدكتور عبد الهادي مقبل، رئيس قسم الاقتصاد بكلية الحقوق جامعة طنطا، على هذا الإنجاز، مؤكداً أن هذا الارتفاع الكبير في الاحتياطي النقدي هو علامة واضحة على تحسن الأداء الاقتصادي واستعادة الثقة في السياسة النقدية للدولة، في وقت تشهد فيه العديد من الأسواق الناشئة ضغوطاً مالية متزايدة.

وأوضح أن نجاح الحكومة والبنك المركزي في إدارة ملف النقد الأجنبي، وسط الأزمات الإقليمية والتحديات الدولية المتراكمة، يُعد إنجازاً في حد ذاته. كما لفت إلى أن هذه الزيادة تعزز قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها الدولية، وتمنح العملة المحلية مزيداً من الثبات، مما يُطمئن المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء.

انعكاسات إيجابية على التصنيف الائتماني

وأشار مقبل إلى أن تحسّن الاحتياطي النقدي يفتح الباب أمام تحسين التصنيف الائتماني لمصر، ويُقلل من مخاطر الاعتماد على التمويل الخارجي، خاصة مع استمرار الدولة في تنويع مصادر تمويلها، والتركيز على تعظيم الموارد الذاتية دون الاعتماد المفرط على القروض.

ثمار الإصلاحات الجريئة

واختتم الدكتور عبد الهادي تصريحه برسالة تفاؤل، قائلاً: “ما نشهده اليوم من مؤشرات اقتصادية إيجابية، وعلى رأسها نمو الاحتياطي النقدي، هو ثمرة مباشرة لسنوات من الإصلاحات الجريئة التي تبنتها الدولة رغم صعوبتها، ويمثل ذلك نقطة ارتكاز نحو بناء اقتصاد وطني مستدام.”
 

خطوة للأمام في طريق الاستقرار

في وقت تتغير فيه قواعد الاقتصاد العالمي بسرعة، تأتي هذه القفزة في الاحتياطي النقدي كإشارة قوية على أن مصر تسير في الاتجاه الصحيح. فمع كل تقدم رقمي، هناك وراءه قرارات صعبة وإرادة سياسية واضحة لتحقيق الاستقرار والنمو. الاحتياطي النقدي ليس مجرد رقم في تقرير، بل هو مرآة لاقتصاد بدأ يستعيد عافيته بثقة وثبات.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version