في اكتشاف علمي يعيد رسم فهمنا لأصل الأرض، كشفت دراسة حديثة أن كوكب المشتري، أضخم كواكب المجموعة الشمسية، لم يكن مجرد عملاق غازي يدور حول الشمس، بل لعب دورا محوريا في نشأة كوكبنا قبل نحو 4.5 مليار عام.
ووفقا للبحث الذي أجرته جامعة رايس الأمريكية ونشر في دورية Science Advances، فإن ولادة المشتري ونموه السريع أحدثا اضطرابات هائلة في قرص الغاز والغبار الذي كان يحيط بالشمس في بدايات النظام الشمسي، هذه الاضطرابات، بحسب العلماء، شكلت حلقات وفجوات في القرص، أصبحت فيما بعد المهد الذي وُلدت فيه الكواكب، ومن ضمنها الأرض.
كوكب عملاق بتأثير كوني واسع
يعتبر المشتري أكبر كواكب المجموعة الشمسية على الإطلاق، إذ يتجاوز حجمه مجموع أحجام جميع الكواكب الأخرى مجتمعة تقريبا، ويعرف بغلافه الجوي العاصف الذي تحتل «البقعة الحمراء العظيمة» مركزه وهي عاصفة ضخمة تدور منذ قرون،لكن تأثير هذا العملاق لم يقتصر على الجمال المذهل لمشاهده، بل امتد ليشكل ملامح النظام الشمسي بأكمله.
محاكاة تكشف أسرار التكوين
اعتمد الباحثون على نماذج حاسوبية متطورة جمعت بين تطور المشتري ونمو الغبار وتكوّن الكواكب، وأظهرت النتائج أن الجاذبية الضخمة للمشتري الوليد أحدثت اضطرابات في القرص الغازي حول الشمس، أدت إلى تكوين حلقات وفجوات تشبه ما يرصده الفلكيون اليوم في أنظمة نجمية شابة تبعد مئات السنين الضوئية.
هذه الاضطرابات خلقت ما وصفه العلماء بـ «الاختناقات الكونية» وهي مناطق كثيفة من المادة منعت الجسيمات الصغيرة من الانجراف نحو الشمس، ودفعتها للتجمع والتصلب تدريجياً لتشكيل الكواكب الجنينية، اللبنات الأولى للكواكب الصخرية.
مفاجأة جيولوجية
وبينت الدراسة أن هذه الكواكب الجنينية لم تكن أولى مكونات النظام الشمسي كما كان يعتقد، بل ظهرت لاحقا ضمن جيل ثاني من المواد، بالتزامن مع تشكّل النيازك الحجرية المعروفة بالكوندريتات.
وتعد هذه النيازك سجلا زمنيا محفوظا من فجر النظام الشمسي، إذ تحتوي على غبار بدائي وقطيرات معدنية منصهرة تُعرف بـ«الكوندولات»، احتفظت بتركيبها الكيميائي الأصلي دون أن تذوب أو تتغير.
“درع الأرض” و”منظم النظام الشمسي”
ويؤكد الباحثون أن المشتري كان أشبه بـ “مهندس كوني” صاغ بنية النظام الشمسي وحدد مصير كواكبه فلولا جاذبيته الهائلة، ربما لم تتكون الأرض بالشكل الذي نعرفه اليوم.
فقد عمل المشتري كـ درع واق، حمى الكواكب الداخلية من وابل المذنبات والكويكبات الضخمة، وفي الوقت نفسه ساهم في جذب المواد الغنية بالمعادن من المناطق الخارجية، ما وفر للأرض العناصر الأساسية لتشكيل نواتها الصلبة، وتهيئة الظروف التي سمحت لاحقا بظهور الحياة.

