لم تعد الحوادث تمر مرور الكرام في شوارعنا. الهواتف الذكية توثق كل مشهد، ومواقع التواصل الاجتماعي تحوله إلى قضية رأي عام خلال دقائق.. لكن وسط ضجيج “التريند” والتعليقات، يبقى السؤال: هل نحكم على الناس بالفيديوهات أم بالقانون؟

أصبحت الكاميرا في يد كل شخص، وتحول التوثيق إلى سلوك يومي، فالجميع يصور، والجميع يعلق، لكن الخطر أن يتحول المشهد المصور إلى محكمة شعبية سريعة تصدر أحكامها قبل أن تتحرك أجهزة الدولة.

الفيديو قد يكشف الحقيقة، لكنه قد يخفي أجزاء مهمة من القصة. قد يدين بريئاً أو يبرئ مذنباً إذا قُطع من سياقه. العدالة تحتاج إلى تحقيقات، واستماع إلى جميع الأطراف، وفحص للأدلة، لا مجرد مقطع متداول.

في دولة القانون، لا يصدر الحكم إلا بعد إجراءات عادلة: سماع الشهود، دراسة الوقائع، والتحقق من الملابسات، فالقانون يحمي الجميع، ويضمن عدم ظلم بريء أو إفلات مذنب بسبب مقطع لم يظهر الصورة الكاملة.

إذا تركنا الحكم للفيديوهات وحدها، سنعيش في فوضى وقلق دائم. كل شخص سيخشى أن يتم تصويره في لحظة غضب أو موقف عابر فيصبح مادة للتشهير على الإنترنت. هذا يهدد خصوصية الناس ويهز الثقة بالمؤسسات.

الكاميرا أداة مهمة لكشف الحقائق، لكن مكان الفيديو الطبيعي هو مكتب التحقيقات لا صفحات التواصل الاجتماعي، فالمطلوب أن تكون الكاميرا داعمة للعدالة لا بديلًا عنها.

يا سادة: المجتمع القوي هو الذي يحمي أفراده بالقانون، لا الذي يحاكمهم عبر مقاطع فيديو عشوائية.

إذا صورت حادثاً أو اعتداءً، قدم الدليل للشرطة أو النيابة قبل أن تنشره للعامة، هكذا نساعد العدالة على أن تأخذ مجراها ونحافظ على سمعة الأبرياء ونبني مجتمعاً يحترم دولة القانون قبل أن يلهث وراء دولة الكاميرا.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version