في عام 1999، قدم الثلاثي محفوظ عبد الرحمن كاتباً وإنعام محمد علي مخرجة وصابرين ممثلة، مسلسل “أم كلثوم”، الذي استلهم قصة حياة سيدة الغناء العربي. بعد مرور أكثر من عقدين، يعود اسم أم كلثوم إلى صالات السينما مع فيلم “الست”، من بطولة منى زكي وإخراج مروان حامد وكتابة أحمد مراد. هذا العمل الجديد يثير جدلاً واسعاً حول الغرض من تقديم هذه السيرة، وما إذا كان ينجح في تقديم قراءة متوازنة لحياة هذه القامة الفنية.

الفيلم، الذي حظي باهتمام إعلامي كبير منذ الإعلان عنه، يسعى إلى استكشاف جوانب مختلفة من حياة أم كلثوم، لكنه يركز بشكل خاص على علاقتها بالرجال وتأثيرهم على مسيرتها الفنية والشخصية. يطرح هذا التركيز تساؤلات حول الرؤية الفنية التي تقف وراء العمل، وهل تهدف إلى إعادة قراءة تاريخية أم تقديم منظور جديد حول شخصية أيقونية.

فيلم “الست” وتأثيره على صورة أم كلثوم

يعتمد فيلم “الست” على أسلوب سرد غير خطي، حيث يقفز بين فترات زمنية مختلفة في حياة أم كلثوم، بدءًا من لحظة سقوطها على المسرح عام 1967. هذا الأسلوب، الذي استخدمه من قبل فيلم “حليم”، يهدف إلى بناء صورة بانورامية للشخصية من خلال استعادة ذكرياتها وتجاربها. ومع ذلك، يثير هذا التشتت الزمني تساؤلات حول مدى فعاليته في تقديم قصة متماسكة ومؤثرة.

بناء الشخصية والعلاقات

يركز السيناريو بقوة على العلاقات الشخصية لأم كلثوم، خاصةً علاقاتها بالرجال. يصور الفيلم معظم الرجال في حياتها كشخصيات معوقة أو سلبية، مما يثير انتقادات حول تقديم صورة نمطية ومتحيزة. يرى بعض النقاد أن هذا التركيز يهدف إلى إبراز قوة واستقلالية أم كلثوم، بينما يرى آخرون أنه يقلل من أهمية الدور الذي لعبه هؤلاء الرجال في دعمها ونجاحها.

الجانب الفني والإخراجي

إخراج مروان حامد يعتمد على تلاعب بصري بالزمن، من خلال استخدام الأبيض والأسود والألوان بشكل متناوب. هذا التلاعب يهدف إلى خلق جو من الغموض والتشويق، لكنه قد يربك المشاهدين ويشتت انتباههم عن القصة الأساسية. بالإضافة إلى ذلك، يلقي الفيض من الأرشيف المصور والمسجل ثقلًا على العمل، مما يقلل من تأثير أداء منى زكي في تجسيد شخصية أم كلثوم.

أداء منى زكي

أداء منى زكي في دور أم كلثوم يثير جدلاً كبيراً. على الرغم من بذلها جهدًا كبيرًا في محاولة تقمص الشخصية، إلا أن المقارنة بينها وبين أم كلثوم الأصلية تظل قائمة. يعتقد بعض النقاد أن محاولة تقليد صوت وأسلوب أم كلثوم كانت غير ضرورية، وأن منى زكي كان بإمكانها تقديم أداء أكثر أصالة وابتكارًا. الفيلم، بدلاً من أن يكون احتفاءً بمسيرة أم كلثوم، قد تحول إلى مقارنة مستمرة بين الأداء التمثيلي والشخصية الحقيقية.

الرؤية الدرامية وراء “الست”

يبدو أن الرؤية الدرامية للفيلم تتركز على تصوير أم كلثوم كرمز لقوة المرأة والتحرر، من خلال إبراز التحديات والصعوبات التي واجهتها في حياتها المهنية والشخصية. الفيلم، على الرغم من استلهامه من أحداث تاريخية، يميل إلى تبسيط هذه الأحداث وتقديم تفسيرات أحادية الجانب. هذا التبسيط قد يقلل من قيمة العمل كمرجعية تاريخية دقيقة، لكنه قد يجعله أكثر جاذبية للجمهور العام.

نقد المنظور

يعيب الفيلم تقديم منظور يميل إلى شيطنة الذكور في حياة أم كلثوم، وتجاهل الدور الإيجابي الذي لعبه بعضهم في دعمها ونجاحها. هذا المنظور قد يعكس توجهات فنية معاصرة تهدف إلى إبراز قضايا المرأة، لكنه يبدو متطرفًا وغير متوازن في سياق قصة حياة شخصية أيقونية مثل أم كلثوم. يختار الفيلم عرض بعض التفاصيل المثيرة للجدل، مثل حادثة الاعتداء على أم كلثوم، بشكل يركز على الجانب السلبي من العلاقة بينها وبين الرجال. هذا التركيز قد يثير انتقادات حول استغلال هذه الحادثة لتحقيق أهداف درامية بحتة.

من المتوقع أن يثير فيلم “الست” المزيد من النقاش والجدل في الأيام والأسابيع القادمة. سيراقب النقاد والجمهور ردود الفعل على الفيلم وتأثيره على صورة أم كلثوم في الذاكرة الجماعية. تجدر الإشارة إلى أن الفيلم يمثل محاولة جريئة لتقديم سيرة ذاتية لشخصية أيقونية، لكنه يواجه تحديًا كبيرًا في تحقيق التوازن بين الدقة التاريخية والرؤية الفنية.

في النهاية، يبقى مستقبل هذا العمل الفني معلقاً على تقييم الجمهور والنقاد على حد سواء. ومع قرب انتهاء موسم العرض السينمائي، ستكشف الأيام القادمة عن مصير الفيلم وما إذا كان سيحقق النجاح المتوقع أم سيظل مجرد محاولة مثيرة للجدل.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version