شهد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ46 إقبالاً كبيراً على ندوة خاصة أُقيمت لتكريم المخرج المصري الكبير محمد عبد العزيز، وتناولت الندوة التي أدارها الناقد أسامة عبد الفتاح، “أسرار صناعة الكوميديا” واستعرضت مسيرة المخرج الحافلة بالإنجازات التي بدأت في ستينيات القرن الماضي. وتأتي هذه الندوة ضمن فعاليات تكريمه بجائزة “إنجاز العمر” تقديراً لمساهماته الجوهرية في السينما المصرية والعربية.
عُقدت الندوة على هامش فعاليات المهرجان، وسط حضور لافت من الفنانين والنقاد وصناع السينما من مصر والدول العربية وأوروبا. وقد تحولت إلى منصة للاحتفاء بمسيرة عبد العزيز، واستعراض أبرز محطاتها وتجاربه، بالإضافة إلى الكشف عن كواليس تعاونه مع نخبة من نجوم السينما المصرية على مر العقود. وتعد هذه التكريمات جزءاً مهماً من دعم صناعة السينما وتعزيز مكانتها.
تكريم مستحق لمسيرة فنية طويلة
أعرب المخرج محمد عبد العزيز عن سعادته بالتكريم، مشيراً إلى أن الفنان حسين فهمي كان أول من أبلغه بالخبر. وأكد عبد العزيز أن علاقته بفهمي تعود إلى أيام الدراسة في المعهد العالي للسينما، وأنها تطورت إلى صداقة وزمالة فنية مثمرة. وأضاف أن التكريم يمثل اعترافاً بمسيرة طويلة شهدت تقديم أعمال متنوعة، مستوحاة من ثقافة جيل رواد السينما المصرية مثل صلاح أبو سيف ويوسف شاهين.
وأشار إلى أنه قام بإخراج حوالي 20 مسلسلاً تلفزيونياً وثلاث مسرحيات بالإضافة إلى أفلامه السينمائية، واصفاً رحلته بأنها “غنية ومتنوعة”. فيما أشاد حسين فهمي بمسيرة زميله، معتبراً أن التكريم جاء متأخراً، ومؤكداً على الأثر الاجتماعي الكبير الذي تركه فيلم “انتبهوا أيها السادة” الذي جمعهما.
الكوميديا.. ليست مجرد “هزار”
كشف المخرج الكبير عن علاقته بالكوميديا، موضحاً أنها لم تكن خياراً واعياً في بداية مسيرته. وأوضح أن الكوميديا “جاءت إليه” بعد تخرجه وعمله كمساعد مخرج مع كبار المخرجين، مثل صلاح أبو سيف وحسين كمال. وبعد فترة من العمل، أتيحت له الفرصة لتقديم أفلام كوميدية، مستلهماً نصيحة المخرج الراحل حلمي حليم الذي حثه على الاهتمام بهذا النوع من الأفلام.
وأشار إلى أن فيلم “في الصيف لازم نحب” كان نقطة تحول في مسيرته، حيث رسخ لديه الاعتقاد بأن الكوميديا “فن جاد له جذوره وتأثيراته العميقة”. وأضاف: “البعض يرى أن الأفلام التراجيدية هي الأعمال الجادة، بينما يعتبر الكوميديا مجرد نوع من المزاح… لكن الكوميديا في رأيي أشد جدية، لأنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمجتمع وسلوكياته”. ويُلخص فلسفته في عبارته الشهيرة: “اضحك بدل ما تموت”.
التعاون مع عادل إمام
تحدث عبد العزيز عن تجربته الطويلة مع الفنان عادل إمام، والتي بدأت بترشيحه للوقوف أمام فؤاد المهندس في فيلم “الليلة السعيدة”. بعد ذلك، تعاونا في فيلم “جنس ناعم”، لتبدأ شراكة فنية استمرت 18 عاماً، وشهدت تقديم العديد من الأفلام الناجحة التي حظيت بإعجاب الجمهور والنقاد على حد سواء.
وكشف أن عادل إمام كان يطمح في تقديم أدوار تراجيدية، مما دفعهم إلى العمل معاً على أفلام مثل “قاتل ما يقولش حد” و”انتخبوا الدكتور سليمان عبد الباسط”، وهي الفترة التي وصفها بأنها “من أزهى فترات السينما المصرية”. كما روى موقفاً طريفاً يتعلق برفض إمام لسيناريو “البعض يذهب إلى المأذون مرتين”، قبل أن يقتنع به بعد إصرار عبد العزيز.
اكتشاف المواهب ودعم السينما المصرية
أشاد الفنانون إلهام شاهين ولبنى عبد العزيز بتجربتهما مع المخرج محمد عبد العزيز، مؤكدين على دوره الكبير في اكتشاف مواهبهما وتقديم الدعم لهما في بداية مسيرتهما الفنية. وأشارت إلهام شاهين إلى أن عبد العزيز اكتشف موهبتها الكوميدية والاستعراضية من خلال مسرحية “بهلول في إسطنبول”، التي حققت نجاحاً كبيراً في مصر وخارجها. فيما أكدت لبنى عبد العزيز أن المخرج علمها أصول الأداء الكوميدي “بطريقة طبيعية وغير مبالغ فيها”.
واختتم عبد العزيز حديثه بالتأكيد على أهمية التدريس في المعهد العالي للسينما، معتبراً إياه “بيته الأول” ومكاناً يلتقي فيه بالأجيال الجديدة من صناع السينما. وأعرب عن أسفه لعدم إقبال الطلاب على دراسة الكوميديا، مؤكداً على حاجة المجتمع الماسة لهذا النوع من الفن.
من المتوقع أن يستمر مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في تقديم فعاليات تكريمية للفنانين والمخرجين الذين ساهموا في إثراء السينما المصرية والعربية. وستركز الجهات المنظمة على دعم المشاريع السينمائية الجديدة وتشجيع المواهب الشابة، بهدف الحفاظ على مكانة مصر كمركز رئيسي لصناعة السينما في المنطقة. وستكون متابعة التطورات في هذا المجال، والقرارات المتعلقة بدعم الإنتاج السينمائي، أمراً بالغ الأهمية في الفترة القادمة.

