يُعدّ فيلم “Sirat” للمخرج أوليفييه لاكس من أبرز الأعمال السينمائية التي حظيت باهتمام كبير في الدورة الثانية والعشرين من مهرجان مراكش الدولي للفيلم. الفيلم، الذي سبق أن فاز بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان السينمائي، أثار نقاشات عميقة حول معانيه الروحية والفلسفية، خاصةً فيما يتعلق بتصويره الفريد للموت والوجود. يمثل “Sirat” تحدياً للتقاليد السينمائية المغربية، ويقدم رؤية جديدة للصحراء كفضاء روحي ووجودي.
عرض الفيلم ضمن عروض خاصة خارج المسابقة الرسمية في مراكش، وسرعان ما لفت الأنظار بجمالياته البصرية الصارخة وقصته التي تدور حول رحلة شخصيات نحو مصيرها المحتوم. الفيلم لا يكتفي بسرد قصة، بل يخلق تجربة تأملية تدفع المشاهد إلى التفكير في معنى الحياة والموت، والعلاقة بين الإنسان والكون.
المرجعيات الإسلامية في فيلم Sirat
أكد المخرج أوليفييه لاكس في حواراته، بما في ذلك لقائه مع “الشرق”، على أهمية المرجعيات الإسلامية في فيلمه. لا يقتصر هذا الحضور على عنوان الفيلم “Sirat” الذي يشير إلى الصراط المستقيم، بل يمتد ليشمل الإشارات الرمزية المتناثرة في السرد البصري الهادئ.
يرى لاكس أن “الصراط” يتجلى في فيلمه على مستويين: مادي وميتافيزيقي. فالأب، الشخصية المحورية، يخوض رحلة داخلية عميقة، ويصل إلى الوجهة التي طالما بحث عنها، ويمارس نوعاً من الجهاد النفسي. ويضيف أن كل فيلم يحمل رؤية المخرج للعالم، وأن أعماله السينمائية متأثرة بالقيم الإسلامية، خاصةً تلك الموجودة في التيارات الباطنية.
تصوير الموت والخلاص
يثير فيلم “Sirat” تساؤلات حول نظرة المخرج إلى الموت. لا يراه لاكس نهاية مؤلمة، بل لحظة تحرر وسمو روحي. لاحظ العديد من المشاهدين الغربيين الحزن الذي يرافق موت الشخصيات في الفيلم، لكن لاكس يوضح أن السؤال الحقيقي ليس “لماذا نموت؟”، بل “كيف نموت؟”.
ويشير إلى أن شخصيات الفيلم تواجه الموت بكرامة وعزة نفس، وأن أرواحها تتسامى في تلك اللحظة. هذا التصوير يعكس إيمانه بأن الله يمنحنا ما نحتاجه، وليس بالضرورة ما نريده، وأن هذا الإدراك قد يثير الإحباط، ولكنه أيضاً يحررنا من الخوف. الفيلم، وفقاً للاكس، هو محاولة لعبور الخط الفاصل بين الحياة والموت، بين الأرض والسماء.
الفضاء الصحراوي كشخصية رئيسية
لا يقتصر دور الطبيعة في فيلم “Sirat” على كونه خلفية للأحداث، بل يعتبرها لاكس كياناً حياً يتفاعل مع الشخصيات ويضعها على المحك. هو لا يصوّر الطبيعة من أجل جمالها الظاهري، بل من أجل قدرتها على التعبير والتواصل، وكشف الحقائق الخفية.
يرى المخرج أن الله يتجلى في الطبيعة ويمتحننا من خلالها. ويؤكد على أنه يشعر بالصغر والضعف أمام الفضاءات المغربية الشاسعة، وأن هذه التجربة تمنحه السكينة والسلام الداخلي. الطبيعة في المغرب، بالنسبة للاكس، ليست مجرد منظر، بل هي كيان روحي.
يضيف لاكس أنه يسعى دائماً لالتقاط “ومضة الحقيقة” التي يتحدث عنها المتصوفة، وأن الطبيعة تساعده في ذلك من خلال عناصرها الأساسية: الضوء، العراء، الصمت. هذه العناصر تمثل مفاتيح للوصول إلى ما هو أبعد من المظاهر الحسية.
من المتوقع أن يستمر فيلم “Sirat” في إثارة النقاش والجدل في الأوساط السينمائية والثقافية. لا يزال مصير توزيع الفيلم على نطاق أوسع غير واضح، ولكن من المؤكد أنه سيظل علامة فارقة في مسيرة المخرج أوليفييه لاكس، وفي تاريخ السينما المغربية. سيراقب النقاد والمشاهدون ردود الفعل على الفيلم في المهرجانات القادمة، وتقييم تأثيره على المشهد السينمائي العالمي.

