صوّت البرلمان الأوروبي مؤخرًا على تعديلات كبيرة لقواعد حوكمة الشركات والاستدامة، مما أثار جدلاً واسعًا حول مستقبل التنظيمات البيئية والاجتماعية في الاتحاد الأوروبي. جاء هذا القرار بعد ضغوط مكثفة من أوساط الأعمال الأمريكية، بما في ذلك جمعيات الصناعة والمدعين العامين على مستوى الولايات. ونتيجة لهذه التعديلات، ستُعفى الغالبية العظمى من الشركات – ما يزيد عن 90% ممن كانت ستخضع لهذه القواعد – من الالتزام بمتطلبات الإبلاغ المتعلقة بالمعايير البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات.
أُسقطت أيضًا بعض العناصر الأساسية من حزمة القواعد التنظيمية التي كانت موضع خلاف مع الجانب الأمريكي. ومن المتوقع أن يتبع هذا التصويت الآن عملية مصادقة على مستوى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مما يمهد الطريق لتطبيق التغييرات الجديدة. ويأتي هذا في وقت يزداد فيه التركيز العالمي على المسؤولية الاجتماعية للشركات، مما يجعل هذه التعديلات أكثر إثارة للجدل.
تخفيف قواعد حوكمة الشركات: استجابة لمخاوف الصناعة الأمريكية
أشار باسكال كانفان، النائب البارز عن حزب “التجديد”، إلى أن الاتحاد الأوروبي استجاب بشكل مباشر لمخاوف قطاع الوقود الأحفوري الأمريكي وغرفة التجارة الأمريكية، معلنًا أنهم “لقد انتصروا”. ويعتبر هذا التراجع مفاجئًا بالنظر إلى أن أوروبا كانت تاريخيًا رائدة في تبني معايير حوكمة الشركات الصارمة.
في الولايات المتحدة، تعرضت هذه المعايير لانتقادات حادة من إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، التي وصفتها بأنها جزء من أجندة “التيقظ” اليسارية. أما في أوروبا، فقد ركزت المناقشات بشكل أساسي على التكاليف المترتبة على الامتثال، وليس على اعتبارات أيديولوجية. وعلى الرغم من التكاليف، إلا أن العديد من الجهات ترى أن هذه المعايير ضرورية لتحقيق أهداف الاستدامة طويلة الأجل.
يرى يورغن واربورن، النائب السويدي عن حزب “الشعب الأوروبي”، أن هذه التعديلات تهدف إلى “إعادة التنافسية إلى جدول الأعمال”، مؤكدًا أن أوروبا يمكن أن تكون مستدامة وتنافسية في الوقت ذاته. وأضاف أن البرلمان الأوروبي ملزم بالاستماع إلى جميع الأطراف المعنية عند اتخاذ مثل هذه القرارات.
ترحيب أوروبي بالتعديلات الجديدة
أعربت “بيزنس يوروب”، وهي أكبر منظمة تمثل الشركات الأوروبية، عن ترحيبها بالقرار، مشيرة إلى أهمية اعتماد البرلمان الأوروبي لموقفه من حزمة التشريعات الشاملة. وأكدت المنظمة على ضرورة أن تعمل المؤسسات الأوروبية الثلاث (البرلمان والمجلس واللجنة) بسرعة لإتمام هذا التشريع المهم بحلول نهاية العام الحالي. هذا التشريع قد يؤثر بشكل كبير على الاستدامة في الشركات.
وبحسب جوليا أوتن، كبيرة مسؤولي السياسات في منظمة “فرانك بولد”، فإن التغييرات التي أقرها المشرعون تعني أن 92% من الشركات التي كانت ستخضع لتوجيه تقارير الاستدامة المؤسسية لن تكون ملزمة بذلك بعد الآن. كما تم إلغاء اشتراط وجود خطط انتقال مناخي للشركات بموجب توجيه الفحص النافي للجهالة في الاستدامة المؤسسية، بالإضافة إلى التخلي عن اقتراح إدراج المسؤولية المدنية على مستوى الاتحاد الأوروبي.
ردود فعل أمريكية
علقت مارجوري تشورلينز، النائبة الأولى لرئيس شؤون أوروبا في غرفة التجارة الأمريكية، أن التعديلات على توجيه الفحص النافي للجهالة في الاستدامة المؤسسية تمثل تقدمًا ملموسًا نحو إطار أكثر توازنًا وفعالية. ومع ذلك، لا تزال الغرفة تشعر بالقلق إزاء الجانب المتعلق بالتطبيق خارج الإقليمي للقواعد.
من جهته، أكد فالديس دومبروفسكيس، مفوض شؤون الاقتصاد والإنتاجية في أوروبا، أن الاتحاد الأوروبي يستمع إلى هذه المخاوف، لكن تيريسا ريبيرا، النائبة التنفيذية لرئيسة المفوضية الأوروبية، حذرت من الإفراط في الحد من الضوابط التنظيمية. توازنات القوى هذه تظهر مدى التعقيد الذي يكتنف هذا الملف.
الخطوات التالية والمستقبل
من المتوقع أن تبدأ المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء قريبًا لبلورة الصيغة النهائية للتغييرات على توجيه تقارير الاستدامة المؤسسية وتوجيه الفحص النافي للجهالة في الاستدامة المؤسسية. تهدف هذه المفاوضات إلى إيجاد حلول توافقية تلبي احتياجات جميع الأطراف. من المرجح أن تكون هذه المرحلة مليئة بالمناقشات والتحديات، حيث تحاول الدول الأعضاء التوفيق بين أولوياتها الوطنية والتزاماتها تجاه الاتحاد الأوروبي.
يأتي تصويت البرلمان الأوروبي في إطار جهود أوسع لتبسيط الأطر التنظيمية في الاتحاد الأوروبي بهدف تعزيز التنافسية. ومع ذلك، يخشى المعارضون من أن هذه الخطوة قد تقوض الأهداف المناخية والاجتماعية التي تعتبر أساسية لقيم الاتحاد الأوروبي. وستكون الأيام والأسابيع القادمة حاسمة في تحديد الشكل النهائي لهذه القواعد ومسار الاستدامة في أوروبا، بالإضافة إلى تأثيرها على التقارير البيئية والاجتماعية للشركات.

