أظهرت دراسة حديثة أجريت في الولايات المتحدة وجود صلة محتملة بين الألم المزمن لدى البالغين وزيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم. ويوضح البحث أن الألم المستمر، وموقعه في الجسم، وحتى وجود حالات نفسية مثل الاكتئاب، يمكن أن تلعب دورًا في تطور هذه الحالة الصحية الشائعة. وقد سلطت الدراسة الضوء على أهمية مراقبة ضغط الدم لدى الأشخاص الذين يعانون من الألم المزمن.

شمل التحليل بيانات صحية لأكثر من 200 ألف بالغ أمريكي، وكشف أن أولئك الذين يعانون من ألم مزمن منتشر في جميع أنحاء الجسم كانوا أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم مقارنة بالأفراد الذين لا يعانون من الألم، أو الذين يعانون من آلام قصيرة الأمد، أو آلام موضعية. وقد نشرت نتائج الدراسة في مجلة علمية متخصصة، مما أثار نقاشًا حول العلاقة بين الألم الجسدي والصحة القلبية الوعائية.

الألم المزمن وارتفاع ضغط الدم: علاقة معقدة

وفقًا للباحثين، فإن اتساع نطاق الألم في الجسم يرتبط بشكل مباشر بزيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم. كلما كان الألم أكثر انتشارًا، زاد هذا الخطر. ولفهم هذه العلاقة بشكل أفضل، قام فريق البحث بتقييم العوامل النفسية المحتملة، مثل الاكتئاب، الذي غالبًا ما يصاحب الألم المزمن.

دور الاكتئاب في تفاقم المشكلة

أظهرت الدراسة أن الاكتئاب، الذي قد ينشأ نتيجة للألم المزمن، يلعب دورًا هامًا في تفسير العلاقة بين الألم وارتفاع ضغط الدم. الأفراد الذين يعانون من الألم لفترات طويلة كانوا أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب، وهذا الاكتئاب بدوره يزيد من احتمالية الإصابة بارتفاع ضغط الدم. وهذا يشير إلى أن معالجة الجوانب النفسية للألم المزمن قد تكون جزءًا أساسيًا من إدارة الصحة العامة.

يحدث ارتفاع ضغط الدم عندما يرتفع ضغط الدم على جدران الشرايين بشكل مستمر، مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتات الدماغية. تشير الإحصائيات إلى أن حوالي نصف البالغين في الولايات المتحدة يعانون من درجات متفاوتة من ارتفاع ضغط الدم، مما يجعله مشكلة صحية عامة كبيرة.

الألم العضلي الهيكلي المزمن، مثل آلام الظهر والركبة والرقبة والكتف والورك، هو أحد أكثر أنواع الألم شيوعًا. ويعتبر الألم مزمنًا إذا استمر لأكثر من ثلاثة أشهر، وفي هذه الحالة، توصي الدراسة بإجراء فحص طبي خاص لتقييم خطر ارتفاع ضغط الدم.

الالتهاب كعامل وسيط محتمل

قدمت الدراسة إطارًا جديدًا لفهم الدور المحتمل للالتهاب المصاحب للألم المزمن في زيادة خطر ارتفاع ضغط الدم. وجد الباحثون وجود صلة بين مستويات البروتين المتفاعل سي، وهو مؤشر على الالتهاب، وزيادة طفيفة في العلاقة بين الألم وارتفاع الضغط. ومع ذلك، كانت نسبة المشاركين الذين أظهروا مستويات التهاب ملحوظة منخفضة نسبيًا، حيث لم تتجاوز 0.4%.

اعتمدت الدراسة على استبيانات مفصلة، حيث أبلغ المشاركون عن مواقع الألم التي عانوا منها خلال الشهر السابق، بما في ذلك الرأس والوجه والرقبة والكتف والظهر والبطن والورك والركبة. كما أوضحوا ما إذا كان الألم قد استمر لأكثر من ثلاثة أشهر وتأثيره على أنشطتهم اليومية. بالإضافة إلى ذلك، تم جمع عينات دم لقياس مؤشرات الالتهاب.

تمت متابعة المشاركين في الدراسة لمدة متوسطة بلغت 13.5 عامًا، وأظهرت النتائج أن حوالي 10% منهم أصيبوا بارتفاع ضغط الدم خلال فترة المتابعة. وكان خطر الإصابة أعلى بشكل ملحوظ لدى الأشخاص الذين يعانون من أنواع معينة من الألم المزمن.

أظهرت البيانات أن الألم المزمن المنتشر يزيد من خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم بنسبة 75% مقارنة بالأشخاص الذين لا يعانون من الألم. بينما ارتبط الألم قصير المدى بزيادة بنسبة 10%، والألم المزمن الموضعي بزيادة بنسبة 20%. وبشكل أكثر تحديدًا، ارتبط الألم المزمن المنتشر بزيادة خطر بنسبة 74%، والألم المزمن في البطن بزيادة 43%، والصداع المزمن بزيادة 22%.

أظهرت الدراسة أن الاكتئاب والالتهاب معًا يفسران حوالي 11.7% من العلاقة بين الألم المزمن وارتفاع ضغط الدم، مما يؤكد أن العوامل النفسية تلعب دورًا كبيرًا في هذه العلاقة. وهذا يسلط الضوء على أهمية اتباع نهج شامل في علاج الألم المزمن، يشمل معالجة كل من الجوانب الجسدية والنفسية.

يؤكد الباحثون على ضرورة أن يكون مقدمو الرعاية الصحية على دراية بأن المرضى الذين يعانون من الألم المزمن هم أكثر عرضة لخطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم، سواء بشكل مباشر أو من خلال الاكتئاب المصاحب. وهذا يجعل الكشف المبكر عن ارتفاع ضغط الدم أمرًا ضروريًا لتجنب تطور الحالة إلى مراحل أكثر خطورة.

تشير التوصيات الحالية إلى أن العلاقة بين الألم المزمن وارتفاع ضغط الدم تتطلب المزيد من البحث، بما في ذلك التجارب السريرية واسعة النطاق. يهدف هذا البحث إلى تقييم دور الأدوية المضادة للالتهابات غير الستيرويدية، مثل الإيبوبروفين، والتي قد ترفع ضغط الدم لدى بعض المرضى. من المقرر أن يتم الانتهاء من مراجعة إرشادات ضغط الدم وتحديثها بحلول عام 2025، ومن المتوقع أن تأخذ هذه الإرشادات الجديدة في الاعتبار نتائج هذه الدراسة وغيرها من الأبحاث ذات الصلة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version