أصدرت منظمة الصحة العالمية، التابعة للأمم المتحدة، توصياتها الأولى بشأن استخدام أدوية جديدة لـ إنقاص الوزن من فئة “جي إل بي-1” (GLP-1)، في خطوة تاريخية تعكس الاهتمام المتزايد بمكافحة السمنة على مستوى العالم. أوصت المنظمة باستخدام هذه الأدوية، كجزء من علاج طويل الأمد، لأكثر من مليار شخص يعانون من السمنة حول العالم، مع التأكيد على ضرورة توفرها بشكل عادل.

تأتي هذه التوجيهات في وقت يشهد فيه العالم ارتفاعاً ملحوظاً في الطلب على أدوية مثل “ويجوفي” (Wegovy) و”أوزمبيك” (Ozempic) و”مونجارو” (Mounjaro)، والتي تعتمد على تقنية الببتيدات الشبيهة بالجلوكاجون-1. وتهدف منظمة الصحة العالمية من خلال هذه الإرشادات إلى توفير إطار عمل واضح للدول والمؤسسات الصحية لتنظيم استخدام هذه الأدوية وضمان فعاليتها وأمانها.

الوضع العالمي للسمنة وتأثيرها

تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من مليار شخص حول العالم يعانون من السمنة، وهي الحالة المرتبطة بـ 3.7 مليون حالة وفاة سنوياً. وتحذر المنظمة من أن استمرار تجاهل هذه المشكلة قد يؤدي إلى مضاعفة عدد المصابين بالسمنة بحلول عام 2030.

هذا الارتفاع المتوقع في أعداد المصابين بالسمنة سيضع ضغوطاً هائلة على النظم الصحية العالمية، ويتسبب في خسائر اقتصادية تقدر بنحو 3 تريليونات دولار سنوياً. لذلك، تعتبر هذه الإرشادات بمثابة دعوة للعمل لمواجهة هذه الأزمة الصحية والاقتصادية المتفاقمة.

آلية عمل أدوية GLP-1 ودورها في العلاج

تعمل أدوية GLP-1 عن طريق محاكاة عمل هرمون طبيعي في الجسم يساعد على تنظيم الشهية، ومستويات السكر في الدم، وعملية الهضم. بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من السمنة، يمكن أن تؤدي هذه الأدوية إلى فقدان كبير في الوزن، وتحسين العديد من المؤشرات الصحية.

أضافت منظمة الصحة العالمية هذه الأدوية إلى “قائمة الأدوية الأساسية” للتعامل مع داء السكري من النوع الثاني في عام 2025، وتوصي الآن باستخدامها على المدى الطويل للبالغين الذين يعانون من السمنة، باستثناء فترة الحمل. هذا الإدراج يعكس الاعتراف المتزايد بفعالية هذه الأدوية في علاج الحالات الصحية المرتبطة بالسمنة.

تحديات تواجه استخدام أدوية إنقاص الوزن

على الرغم من الفوائد المحتملة لأدوية GLP-1، إلا أن هناك العديد من التحديات التي يجب معالجتها لضمان استخدامها بشكل فعال وعادل. تشمل هذه التحديات محدودية البيانات المتعلقة بسلامة الاستخدام على المدى الطويل، وعدم اليقين بشأن الحفاظ على فقدان الوزن بعد التوقف عن العلاج، وارتفاع تكاليف هذه الأدوية.

بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف جدية بشأن عدم المساواة في الحصول على هذه الأدوية بين الدول، وبين الفئات المختلفة داخل المجتمع الواحد. وتشير المنظمة إلى ضرورة وجود سياسات تضمن توفير هذه الأدوية بأسعار معقولة، وتوسيع نطاق الوصول إليها.

ليست حلاً سحرياً: أهمية اتباع نهج شامل

تؤكد منظمة الصحة العالمية أن إنقاص الوزن باستخدام الأدوية يجب أن يكون جزءاً من نهج علاجي شامل يتضمن تغييرات في نمط الحياة، مثل اتباع نظام غذائي صحي، وزيادة النشاط البدني، والحصول على الدعم النفسي والاجتماعي. فالدواء وحده لا يكفي لحل مشكلة السمنة، بل يجب أن يكون مصحوباً بجهود مستمرة لتحسين الصحة العامة.

وتشدد المنظمة على أن السمنة ليست مجرد خيار شخصي، بل هي حالة صحية معقدة تتأثر بعوامل وراثية وبيئية واجتماعية. لذلك، يجب على الحكومات وقطاع الصناعة العمل معاً لخلق بيئات غذائية أكثر صحة، وتشجيع النشاط البدني، وتوفير خدمات الرعاية الصحية اللازمة.

ضمان الوصول العادل والسلامة الدوائية

تشير التقديرات إلى أن أدوية GLP-1 قد لا تصل إلى سوى 10% من الأشخاص الذين يحتاجونها بحلول عام 2030، خاصة في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط. لذلك، تحث منظمة الصحة العالمية الحكومات على النظر في آليات التسعير العادل، والترخيص الطوعي، لزيادة إمكانية الوصول إلى هذه الأدوية.

كما تحذر المنظمة من تزايد تداول المنتجات المزيفة أو ذات الجودة الرديئة من أدوية GLP-1، بسبب النقص العالمي. وتشدد على ضرورة وجود سلاسل توريد منظمة، ووصفات طبية صادرة عن أطباء مؤهلين، ورقابة صارمة لضمان سلامة المرضى.

تعتبر هذه الإرشادات خطوة أولى مهمة نحو تنظيم استخدام أدوية إنقاص الوزن من فئة GLP-1 على مستوى العالم. تخطط منظمة الصحة العالمية لمراجعة هذه التوصيات وتحديثها مع ظهور المزيد من الأدلة العلمية، والعمل مع شركائها لضمان إعطاء الأولوية للأشخاص الأكثر احتياجاً. ومن المتوقع أن يتم تقييم مدى فعالية هذه الإرشادات في عام 2026، مع التركيز على الوصول إلى الأدوية، وسلامة الاستخدام، والتأثير على الصحة العامة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version