مع اقتراب الأعياد، يلاحظ الكثيرون عودة إلى أنماط سلوكية ومشاعر مرتبطة بفترة المراهقة عند العودة إلى بيوت العائلة. هذه الظاهرة، التي يطلق عليها البعض اسم “الارتداد العاطفي خلال الأعياد” (Holiday Regression)، ليست مجرد إزعاج، بل هي استجابة طبيعية للديناميكيات الأسرية القديمة، وفقًا لخبراء الصحة النفسية.
يؤكد أليكس ياكوفيتي، معالج متخصص في الزواج والأسرة في كاليفورنيا، أن العودة إلى الأسرة تعيدنا إلى الأدوار التي اعتاد عليها أفراد العائلة، مما قد يثير مشاعر بعدم القبول أو الاستياء. هذه العودة إلى الماضي يمكن أن تؤدي إلى ما يشبه “الارتداد العاطفي خلال الأعياد”، حيث يعود الأفراد إلى التصرف بطرق اعتادوا عليها في فترة المراهقة.
فهم ظاهرة الارتداد العاطفي خلال الأعياد
يشير ياكوفيتي إلى أننا نطور هويتنا وشخصيتنا داخل النظام الأسري، ونتعلم ما هو مقبول وما هو غير مقبول، وما الذي يجذب انتباه الآخرين. ومع ذلك، عند العودة إلى المنزل، قد نشعر بأننا نعود إلى تلك الأدوار القديمة، مما يثير مشاعر القلق وعدم الأمان. هذا بدوره قد يدفعنا إلى حالة من “القتال أو الهروب”، حيث نصبح أكثر تفاعلاً وأقل عقلانية.
تتفاقم هذه الحالة بسبب الضغوط المرتبطة بالأعياد، والتي يمكن أن تعيد تنشيط آليات البقاء البدائية التي تعلمناها في الطفولة. هذه الآليات، على الرغم من أنها كانت ضرورية في الماضي، قد لا تكون مناسبة للتعامل مع المواقف الحالية، مما يؤدي إلى ردود أفعال مبالغ فيها أو غير منطقية.
تأثير العودة إلى الأسرة على البالغين
ليز كوين، ممثلة وكوميدية من نيويورك، تعبر عن شعورها بأن مزاجها “يصبح أكثر حدة” مع مرور الوقت خلال زيارتها لعائلتها في آيوا. وتقول إنها تميل إلى “بدء المشاجرات” أو التعبير عن آراء متطرفة حول مواضيع مختلفة، مثل الذكاء الاصطناعي، بطريقة تشبه المراهقين.
بالإضافة إلى ذلك، تشير كوين إلى أنها تبدأ في “الشك في قدراتها” كشخص بالغ مستقل، وتشعر بالحاجة إلى طلب الإذن أو المساعدة من والديها في أمور بسيطة. هذا الشعور بالاعتمادية يمكن أن يكون محبطًا ومزعجًا، خاصة بالنسبة لأولئك الذين حققوا نجاحًا في حياتهم المهنية والشخصية.
لورين هايلاند، مدربة تطوير ذاتي من بيتسبرغ، تواجه تحديات مماثلة عند زيارة والديها في فلوريدا. وتقول إنها اضطرت إلى وضع حدود واضحة مع عائلتها لتجنب التدخل في أساليب تربيتها لأطفالها. في إحدى المرات، اضطرت إلى تذكير أحد أفراد عائلتها بأنها هي المسؤولة عن تربية أطفالها، وأنها تقدر عدم التدخل في قراراتها.
استراتيجيات التعامل مع الارتداد العاطفي خلال الأعياد
على الرغم من أن وضع الحدود قد يكون صعبًا، إلا أن هايلاند تؤكد أنه يمكن أن يؤدي إلى “محادثات رائعة” تعزز العلاقات الأسرية. وتشير إلى أن معالجة المشكلات في وقت مبكر وبطريقة هادئة ومحايدة يمكن أن يساعد في تجاوز الديناميكيات القديمة وبناء علاقات أكثر صحة.
كما تؤكد هايلاند على أهمية الدعم العاطفي من الشريك أو الأصدقاء خلال هذه الأوقات العصيبة. وتصف الدعم الذي تتلقاه من زوجها بأنه “أعظم شيء حدث لها على الإطلاق”، وتشير إلى أن هذا الدعم يساعدها على الشعور بالأمان والثقة بالنفس.
ينصح ياكوفيتي بالتحضير النفسي والتعاطف مع الذات ومع أفراد العائلة. ويقول إنه من المهم أن نتذكر أن ردود أفعالنا قد تكون نتيجة للظروف والخبرات الماضية، وأن نحاول إعادة صياغة الرسائل التي نتلقاها من عائلتنا بطريقة أكثر إيجابية. بدلاً من اعتبار النقد بمثابة هجوم شخصي، يمكننا أن نعتبره تعبيرًا عن مشاعر أو مخاوف أفراد عائلتنا.
الارتداد العاطفي خلال الأعياد ليس علامة على النضج المتراجع، بل هو مجرد “ذاكرة مخزنة في الجسم”. يمكننا تغيير الديناميكيات الأسرية، وإجراء محادثات صعبة، وتجاوز التحديات.
من المتوقع أن يستمر خبراء الصحة النفسية في تقديم المشورة والدعم للأفراد الذين يعانون من هذه الظاهرة خلال فترة الأعياد. من المهم مراقبة التطورات في هذا المجال، والبحث عن الموارد المتاحة لمساعدة الأفراد على التعامل مع التحديات العاطفية المرتبطة بالعودة إلى الأسرة.

