لم تعد أبراج غزة شاهقة كما كانت، فقد هوت أحلام ساكنيها تحت الركام، وتحولت شققهم التي كانت تضج بالضحكات والذكريات إلى ركام متناثر في الهواء، فكل صاروخ يطلقه الاحتلال على برج سكني لا يكتفي بقتل الأرواح وتشريد العائلات، بل يمحو أعواما من الكدح والعمل، ويترك خلفه أمهات يبحثن بين الركام عن صور أبنائهن، وأطفالا مذهولين يتساءلون عن معنى أن يمحى بيتهم في لحظة ويتحولوا إلى نازحين بلا مأوى.

وتواصل الطائرات الإسرائيلية استهداف الأبراج السكنية في مدينة غزة، حيث دمرت غارات جوية أمس السبت برج السوسي في حي تل الهوا جنوبي غربي المدينة، في حين وجه جيش الاحتلال إنذارا لإخلاء عمارة الرؤيا عند مفترق المالية، وسط تصاعد القصف لليوم الثاني على التوالي.

وأثار استمرار قصف الأبراج موجة غضب واسعة عبر منصات التواصل الاجتماعي، إذ اعتبر نشطاء أن الاحتلال يتبع سياسة ممنهجة لتدمير المباني المرتفعة وتشريد سكانها، الأمر الذي يترك خلفه مئات العائلات بلا مأوى أو ملجأ، ويدفعهم إلى النزوح نحو المجهول.

وقال مغردون إن استهداف برج أو عمارة من 10 طوابق يعني فعليا قصف حي سكني كامل، إذ تحتوي كل عمارة على عشرات الشقق التي تقطنها مئات الأسر، مشيرين إلى أن قصف عدة أبراج في اليوم الواحد يعادل تدمير بلدة أو قرية كاملة، بل وحتى نصف مدينة صغيرة.

وأوضح آخرون أن هذه المناطق كانت قبل الحرب الأكثر اكتظاظا بالسكان، في قطاع يعد من الأعلى كثافة سكانية في العالم، مما يجعل أي استهداف لها كارثة إنسانية مضاعفة.

كما أشاروا إلى أن أماكن النزوح التي حددها الاحتلال، مثل منطقة المواصي جنوب القطاع، لم تعد قادرة على استيعاب مزيد من النازحين.

ولفت مدونون إلى أن أكثر من 9 ساعات مضت على تهديد الاحتلال بقصف عمارة الرؤيا، في حين يضطر سكانها وسكان البنايات المجاورة لافتراش الطرقات بانتظار مصير مجهول، دون تحديد وقت للقصف، ورأوا أن ترك الإنذار مفتوحا بهذا الشكل يضاعف من معاناة المدنيين ويشكل وسيلة ضغط نفسي تضاف إلى الخسائر المادية والبشرية.

وذهب بعض المعلقين إلى اعتبار المرحلة الحالية “الأخطر منذ بداية الحرب”، في ظل غياب ممرات آمنة أو أماكن نزوح ملائمة، واستمرار استهداف المدارس والمستشفيات، إضافة إلى التوترات العلنية بين مصر وإسرائيل بشأن ملف التهجير.

ووصف مدونون الأبراج السكنية في غزة بأنها “شاهد جديد على مسلسل الإبادة الجماعية المستمر منذ ما يقارب 700 يوم”، مؤكدين أن استهدافها لا يقتصر على الأضرار المادية، بل يعكس سياسة تهجير قسري تهدف إلى إفراغ المدينة من سكانها ومحو هويتها العمرانية.

وكتب أحد النشطاء: “قصف البرج يعني تشريد آلاف المدنيين دفعة واحدة، وإلقائهم في الشوارع بلا مأوى”، في حين اعتبر آخر أن “مدينة غزة تتهاوى كالطين بسلاح أميركي وقاتل إسرائيلي، وإن تدمير الأبراج المرتفعة يعد محاولة لدفع السكان إلى الهجرة جنوبًا، وترك المدينة خاوية بلا حياة”.

وأكد ناشطون أن ما يحدث ليس مجرد عمليات عسكرية ضد مقاتلين، بل “سياسة متكاملة لتدمير المدينة وتحويلها إلى أطلال”، في ظل صمت دولي وعجز المنظومة الأممية عن وقف آلة الدمار.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version