أصدر البرلمان الكيني تقريرًا يتهم القوات البريطانية المتدربة في البلاد بارتكاب جرائم قتل وانتهاكات جنسية وحقوق إنسان وأضرار بيئية، وذلك بعد سنوات من تراكم الشكاوى من المجتمعات المحلية. ويشير التقرير إلى أن سلوك الجنود البريطانيين أدى إلى اعتبارهم بمثابة “قوة احتلال” من قبل السكان المحليين، مما أثار مخاوف بشأن سيادة القانون والمساءلة.

التقرير، الذي نُشر يوم الأربعاء، يمثل تتويجًا لجهود طويلة الأمد من قبل النشطاء والمجتمعات المحلية للمطالبة بالعدالة. وقد رحب العديد من المراقبين بالتقرير باعتباره سابقة مهمة في أفريقيا، حيث غالبًا ما تكون هناك قيود على محاسبة القوات الأجنبية المتمركزة في دول القارة.

وحدة التدريب التابعة للجيش البريطاني في كينيا (BATUK) والجدل الدائر حولها

وحدة التدريب التابعة للجيش البريطاني في كينيا (BATUK) هي قوة تدريب دائمة تتمركز في نانيوكي، وسط كينيا. تعود جذور وجود الوحدة إلى عام 1963، بعد استقلال كينيا عن المملكة المتحدة. تتألف الوحدة من حوالي 100 موظف دائم و280 جنديًا بريطانيًا يتناوبون على التدريب قصير الأجل.

تستفيد القوات البريطانية من الظروف الجوية المعتدلة والسيناريوهات القتالية الواقعية التي توفرها كينيا. وتدرب الوحدة القوات البريطانية، بالإضافة إلى تقديم التدريب لمكافحة الإرهاب للقوات الكينية، وذلك بموجب اتفاقية التعاون الدفاعي بين المملكة المتحدة وكينيا. تسمح هذه الاتفاقية، منذ عام 2015، بتبادل المعلومات الاستخباراتية والتدريب بين الجيشين.

وفقًا للحكومة البريطانية، ساهمت BATUK بأكثر من 5.8 مليار شلن كيني (حوالي 45 مليون دولار أمريكي) في الاقتصادات المحلية التي تتمركز فيها وحداتها، وتوظف أكثر من 550 عاملًا محليًا. كما تستفيد الشركات المحلية القريبة من مواقع التدريب من وجود الوحدة.

اتهامات خطيرة و حوادث مؤسفة

على الرغم من المساهمات الاقتصادية، واجهت BATUK اتهامات متزايدة بسوء السلوك، بدءًا من التعامل مع المواد التدريبية الخطرة وصولًا إلى الانتهاكات الجنسية. تعتبر قضية مقتل أغنيس وانجيرو، الشابة الكينية البالغة من العمر 21 عامًا، من بين أبرز هذه القضايا، حيث حظيت باهتمام إعلامي دولي واسع.

تضمنت الشكاوى الأخرى الإبلاغ عن التخلص غير السليم من المواد الكيميائية العسكرية، مما تسبب في إصابات خطيرة. كما اتهمت النساء الكينيات الجنود البريطانيين بالتصرف بشكل غير لائق تجاههن. وتشير التقارير إلى أن العديد من النساء الكينيات تركن لرعاية أطفالهن بمفردهن بعد مغادرة الجنود البريطانيين البلاد في نهاية فترة تدريبهم.

لطالما كان هناك نقص في آليات المساءلة داخل كل من النظامين القضائيين البريطاني والكيني فيما يتعلق بسلوك الجنود البريطانيين. وقد أدى ذلك إلى إحباط المجتمعات المحلية التي سعت إلى الحصول على تعويض عن الأضرار التي لحقت بها.

ماذا يقول التقرير الجديد؟

التقرير الذي يضم 94 صفحة، هو نتاج تحقيق استمر لمدة عام ونصف العام أجراه لجنة الدفاع والاستخبارات والعلاقات الخارجية في البرلمان الكيني. فحص التقرير شكاوى من السكان في مقاطعتي لايكيبيا وسامبورو، بالقرب من معسكر BATUK. بدأ المشرعون عقد جلسات استماع عامة لسماع شهادات الضحايا في يونيو 2024، حيث قدموا روايات مروعة عن سوء المعاملة. تجدر الإشارة إلى أن BATUK لم تتعاون مع التحقيق البرلماني.

خلص التقرير إلى أن جنود BATUK أظهروا “اتجاهًا مقلقًا” نحو سوء السلوك الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب والاعتداء والإهمال تجاه الأطفال الذين أنجبهم الجنود. كما كشف التقرير عن تحقيق داخلي أجرته BATUK في عام 2003، والذي تعامل مع الأدلة بشكل غير صحيح وفشل في تحقيق العدالة للنساء اللواتي قدمن شكاوى.

بالإضافة إلى ذلك، انتقد التقرير BATUK لعدم إجراء تقييمات للأثر البيئي لتدريباتها الميدانية، مما أدى إلى أضرار بيئية جسيمة. وفي إحدى الحالات، تسبب حريق كبير في مقتل الماشية وتدمير 4900 هكتار من الغطاء النباتي. كما اتهم التقرير BATUK بالتخلص غير القانوني من النفايات العسكرية والمواد السامة بشكل علني، مما يعد انتهاكًا للقانون البيئي الكيني.

كما أشار البرلمان الكيني إلى أن القوات البريطانية أبدت “إهمالًا جسيمًا” في طريقة تعاملها مع الذخائر غير المنفجرة أثناء تدريبها، وأن هذا الإهمال أدى إلى وفيات وإصابات متعددة. غالبًا ما لم يتم إبلاغ المجتمعات المحلية بشأن التدريبات الصاخبة، مما تسبب في صدمة وإصابات في بعض الحالات. كما تبين أن العمال الكينيين الذين تم توظيفهم لتنظيف حطام الذخائر لم يتم تزويدهم بمعدات واقية وفقًا لقوانين العمل الكينية.

ما هي الخطوات التالية؟

يوصي التقرير البرلماني بأن يعمل المدعي العام الكيني على الفور مع الحكومة البريطانية لترحيل روبرت بوركيس، المتهم في قضية أغنيس وانجيرو، إلى كينيا لمحاكمته. كما يدعو إلى إجراء تحقيقات في وفيات أخرى لسكان محليين يشتبه في تورط جنود BATUK فيها.

كما يوصي التقرير ببدء مفاوضات مع المملكة المتحدة خلال ثلاثة أشهر لمعاقبة الجنود السابقين في BATUK الذين أهملوا أطفالهم، وتقديم تعويض ودعم نفسي واجتماعي لضحايا الانتهاكات الجنسية التي ارتكبها جنود BATUK.

من المتوقع أن تبدأ الحكومة الكينية في مراجعة اتفاقية التعاون الدفاعي مع المملكة المتحدة، بهدف تعزيز الرقابة على القوات الأجنبية المتمركزة في البلاد. وتشمل التوصيات تطوير مدونة سلوك تؤكد على عدم التسامح مطلقًا مع العنف القائم على النوع الاجتماعي والتدهور البيئي.

من غير الواضح حتى الآن كيف سترد الحكومة البريطانية على التقرير. ومع ذلك، من المرجح أن تواجه ضغوطًا متزايدة لمعالجة هذه الاتهامات والتعاون مع السلطات الكينية لضمان المساءلة. ستكون متابعة قضية أغنيس وانجيرو، والتحقيقات في الادعاءات الأخرى، والنتائج المحتملة لمراجعة اتفاقية الدفاع، أمورًا رئيسية يجب مراقبتها في الأشهر المقبلة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version