21/8/2025–|آخر تحديث: 00:32 (توقيت مكة)
قبل 20 عاما، دخل رئيس النيجر الأسبق العقيد مامادو تانجا (1999-2010) في مفاوضات مع شركة آريفا الفرنسية التي ستتحول لاحقا إلى مجموعة أورانو، بهدف إنهاء احتكار باريس لثروات بلاده، واستقلال اقتصادها.
وبعد عقدين من الزمن على تلك المفاوضات التي لم تحقق ما كان مطلوبا، جاء الجنرال عبد الرحمن تياني الذي تولى الحكم عبر انقلاب خاطف في يوليو/تموز 2023، ونفذ ما كان يحلم به العقيد تانجا وتجاوزه في قطع العلاقات مع باريس، وإخراج قواتها من عموم البلاد.
وبمواردها الاقتصادية المتنوعة، وموقعها الإستراتيجي الفسيح في قلب منطقة الصحراء والساحل بغرب أفريقيا، جذبت دولة النيجر على طول تاريخها اهتمام الفاعلين الاقتصاديين من جميع أنحاء العالم، إذ تحتكر 5% من السوق العالمية لليورانيوم، وتمتلك منه سادس أكبر احتياطي في العالم.
وبالإضافة لليورانيوم، تمتلك النيجر ثروات هائلة من النفط والذهب، وهي في طليعة البلدان الأفريقية المليئة بالثروة الحيوانية.
لكنها على مدار العقود الستة الماضية، لم تستطع أن تخرج من حظيرة الدول التي تعتمد على المساعدات الإنسانية، وكانت تتلقّى 40% من ميزانيتها من الشركاء والمانحين الدوليين.
ووفقا لبيانات البنك الدولي فإن حوالي 44.5% من سكان النيجر يعيشون في الفقر المدقع، ما يعني أن ثرواتها تذهب بين الفساد الداخلي والاستغلال الخارجي.
بوادر الانفصال
في عام 2005، فتح تانجا حوارا مع المجموعة الفرنسية التي كانت تعمل في البلاد عن طريق شركتين فرعيتين هما: سومير وكومينك، ورفع شعار “اليورانيوم يجب أن يستفيد منه شعب النيجر”، مؤسسا بذلك توجها جديدا في سبيل السيادة الاقتصادية.
وكانت المجموعة الفرنسية تحتكر استخراج اليورانيوم من النيجر بسبب عقود تم إبرامها عام 1960، وبموجبها تستفيد نيامي 10% من مجموع ما تم استخراجه من البلاد.
وبلغ إنتاجها السنوي حولي 3.3 آلاف طن، وهو ما يمثل 10% من الإنتاج العالمي، وحوالي 30% من حاجيات باريس من الكهرباء.
وبعد 3 سنوات من الشد والجذب بين حكومة تانجا والمجموعة الفرنسية، توصل الطرفان إلى اتفاق في يناير/كانون الثاني 2008، ارتفع بموجبه سعر شراء اليورانيوم بنسبة 50%.
وبموجب ذلك الاتفاق، حصلت آريفا على امتيازات لمدة 40 عاما في منجم “إيمورارن” العملاق، بإنتاج متوقع يبلغ 5 آلاف طن سنويا مقابل استثمار بقيمة 1.2 مليار يورو، وتم إنشاء شركة “إيمورارن” كمشروع مشترك، تملك النيجر منه عبر شركتها الحكومية 33.35% فيما احتفظت آريفا بالباقي.
ووفقا لمسؤول سابق في المجموعة الفرنسية، فإن المساعي التي بذلها تانجا وهجومه على المصالح الفرنسية، بعث برسالة قوية مفادها أن نيامي يمكن أن تملك زمام أمورها، كما أعطت الإصلاحات التي قام بها بعدا جديدا للشراكة مع الأطراف الخارجية.
وجاء الاتفاق حينها بعد أن سنت البلاد قانونا للتعدين عام 2006، وضع في الحسبان مصالح البلاد، وألغى الكثير من الامتيازات التي كان الطرف الخارجي يعتبرها تندرج في إطار المرونة مع الشركاء.
وهكذا ألغى قانون 2006 الإعفاءات الضريبية التلقائية، وفرض رسوما متصاعدة تصل إلى 12%، ومنح الدولة حصة مجانية بنسبة 10% في جميع المشاريع، مع خيار رفعها إلى 30%.
التأميم والنهاية
ورغم الجهود والإصلاحات الجريئة التي قام بها تانجا، فإنها لم تفلح في تحقيق السيادة الاقتصادية، وتخرج الشركات الفرنسية، بل ساهمت شروط الاستقرار في تجميد الشروط المالية لفترات تصل إلى عقدين من الزمن، مما قيد الدولة وترك القطاع مكشوفا.
وبعد عقدين من الزمن على انطلاقة إصلاحات الرئيس الأسبق مامادو تانجا، عاد اليورانيوم ليصبح في قلب الصراع السياسي بين نيامي وباريس.
ففي يوليو/تموز 2023 استولى الجنرال عبد الرحمن تياني على السلطة وسط أجواء من التوتر المشحون بين قادة تحالف دول الساحل وباريس المستعمِرة السابقة للمنطقة.
وكان الجنرال تياني كغيره من قادة تحالف دول الساحل (النيجر، مالي، بوركينا فاسو) قد رفع شعار السيادة الاقتصادية كجزء من الاستقلال السياسي، كما أعلن مناهضته للوجود الأجنبي في المنطقة، واعتبر فرنسا مسؤولة عن ويلات الشعوب في الساحل الأفريقي، واتهمها بتمويل الإرهاب وزعزعة الاستقرار.
وفي إطار السيادة الاقتصادية، وبعد خلافات مع شركة أورانو التي لجأت إلى رفع دعوى أمام مركز المنازعات الجارية التابع للبنك الدولي في واشنطن، قررت السلطات في نيامي سحب رخصة منجم “إيمورارن” الذي لم يدخل حيز الإنتاج قط.
وبعد عام من سحب رخصة المنجم، وفي 19 يونيو/حزيران 2025، أعلنت السلطات تأميم شركة “سومير”.
وهكذا انتهى أكثر من نصف قرن من وجود أورانو في النيجر، وتحقق حلم السيادة الاقتصادية والانفصال عن باريس في إدارة موارد اليورانيوم.