|

انتقد مقال بصحيفة الغارديان البريطانية إخفاق المؤسسات الإعلامية الغربية والصحفيين الغربيين في الدفاع عن زملائهم الفلسطينيين، وسط تعرضهم إلى استهداف إسرائيلي ممنهج منذ نحو 22 شهرا في قطاع غزة.

وبيّن كاتب المقال محمد بازي، أن نتيجة ما وصفه بتخاذل الصحفيين الغربيين، يتجلى بإمعان إسرائيل في قتل الصحفيين الفلسطينيين دون عقاب، لافتا إلى أن عدد الصحفيين الذين قُتلوا في غزة يفوق عددهم في الحرب الأهلية الأميركية، والحربين العالميتين، والحرب الكورية، وحرب فيتنام، والحروب في يوغوسلافيا، وحرب الولايات المتحدة في أفغانستان مجتمعة، وفق دراسة أجراها مشروع “تكاليف الحرب” في جامعة براون.

صمت أمام إسرائيل

ويعلق الكاتب، الذي يعمل أستاذا للصحافة في جامعة نيويورك، أن ما وصفها بالأرقام المروعة قد يُعتقد أنها ستحفز وسائل الإعلام والصحفيين في جميع أنحاء العالم على إدانة استهداف إسرائيل لزملائهم الفلسطينيين، مستدركا أن وسائل الإعلام الأميركية ظلت صامتة إلى حد كبير، مقارنة، على سبيل المثال، بالحملة التي تلقت دعما واسعا لتحرير مراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، بعد اعتقاله واتهامه بالتجسس من قبل روسيا في مارس/آذار 2023، مضيفا أن وكالات الأنباء الكبرى ركزت آنذاك في تقاريرها على أن غيرشكوفيتش اعتُقل ظلما وأدين في محاكمة شكلية بتهم ملفقة.

لكن هذه الوكالات نفسها -يعقب الكاتب- غالبا ما ترفض منح الصحفيين الفلسطينيين نفس الحق في الحماية من التهديدات والتحريض الإسرائيلي.

شنت تل أبيب حملة ضد أنس الشريف بعد انتشار تقاريره عن حصار إسرائيل لغزة وتجويع أهلها على نطاق واسع (الجزيرة)

وقال الكاتب إن وسائل الإعلام الغربية غالبا ما تكون على استعداد لانتقاد الحكومات علنا والقيام بحملات من أجل الصحفيين الذين يتعرضون للمضايقة أو السجن من قبل خصوم الولايات المتحدة مثل روسيا أو الصين أو إيران، لكن هذه المؤسسات تلتزم الصمت إلى حد كبير عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، حليفة الولايات المتحدة.

تضامن خجول مع أنس الشريف

ولفت الكاتب، الذي يدير مركز “هاكوب كيفوركيان” لدراسات الشرق الأدنى، إلى أن لجنة حماية الصحفيين “سي بي جيه” (CPJ) كانت قد أصدرت بيانا الشهر الماضي أعربت فيه عن “قلقها البالغ” على سلامة مراسل الجزيرة أنس الشريف، وحثت على حمايته، بعد أن اشتدت حملة التشويه التي شنها الجيش الإسرائيلي ضده، في أعقاب انتشار تقاريره المروعة عن حصار إسرائيل لغزة وتجويعها، على نطاق واسع.

لكن هذه النداءات -يتابع الكاتب- لم تلق صدى في معظم غرف الأخبار الأميركية أو الغربية الأخرى، مشيرا إلى أنه لم تكن هناك سوى حملات إعلامية أو بيانات تضامن قليلة وخجولة مع الصحفيين الفلسطينيين، مقارنة بالجهود التي بُذلت من أجل الصحفي غيرشكوفيتش ومراسلين غربيين آخرين استُهدفوا من أعداء الولايات المتحدة.

فلم تنشر كبرى المؤسسات الإخبارية الأميركية رسائل مفتوحة في صحفها للفت الانتباه إلى الصحفيين الذين يتعرضون للاضطهاد بسبب قيامهم بعملهم، كما فعلت صحيفة نيويورك تايمز ووول ستريت جورنال وواشنطن بوست مع غيرشكوفيتش في مايو/آذار 2024 بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة.

وخلص الكاتب، الذي كان رئيسا لمكتب الشرق الأوسط في صحيفة “نيوزداي” الأميركية إلى القول “يبدو أن حرية الصحافة والحماية من الاضطهاد تقتصر على الصحفيين الغربيين”.

حكاية شيرين أبو عاقلة

واستحضر ما جرى مع مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة التي استشهدت عام 2022، على يد جندي إسرائيلي أثناء تغطيتها للأحداث في الضفة الغربية، لافتا إلى أن إدارة جو بايدن رفضت آنذاك تحميل إسرائيل مسؤولية اغتيالها. وتساءل مستهجنا “أدرك القادة الإسرائيليون أنهم لن يواجهوا أي عواقب لقتل واحدة من أبرز الصحفيين في العالم العربي، والتي تصادف أنها مواطنة أميركية، فهل من المستغرب اعتقادهم أن بوسعهم الإفلات من العقاب على قتل العديد من الصحفيين الفلسطينيين في غزة؟”.

ووجهت وسائل الإعلام الغربية مطلبا واحدا ثابتا لإسرائيل، وفق الكاتب، وهو السماح للمراسلين الأجانب بدخول غزة، وهو ما ترفضه الحكومة الإسرائيلية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، ويعلق “هذه حملة جديرة بالإشادة من قبل المؤسسات الإخبارية، لكنها تمت بطريقة إشكالية”، مبينا أن بعض وسائل الإعلام والصحفيين الغربيين يعتقدون أن المراسلين الأجانب هم وحدهم القادرون على توفير تغطية إخبارية كاملة ونزيهة من غزة.

شيرين أبو عاقلة غطّت عمليات الاحتلال ضد الفلسطينيين على امتداد ربع قرن (الأوروبية)

واستشهد الكاتب بما كتبه الصحفي البريطاني المخضرم جون سيمبسون، على منصة إكس: “يحتاج العالم إلى تقارير شهود عيان صادقة وغير متحيزة لمساعدة الناس على تكوين رأيهم حول القضايا الكبرى في عصرنا. وهذا أمر مستحيل حتى الآن في غزة”، معلقا بأن هذا “هراء” ويُعزز أسوأ تقاليد الاستعمار في وسائل الإعلام التقليدية، التي تعتبر الصحفيين الغربيين “وغالبا ما تعني البيض” الحكام الوحيدين على الحقيقة، بحسب الكاتب.

وزاد بأن إحدى المشاكل الرئيسية تتمثل في تصور الصحفيين الغربيين كوسطاء للتغطية غير المتحيزة يرتكز على التقليل من شأن مهنية وشجاعة مئات الصحفيين الفلسطينيين، الذين ضحى الكثير منهم بحياتهم أثناء تغطية الحرب الإسرائيلية على غزة.

والمفارقة، بالطبع -يضيف الكاتب- هي أنه بمجرد السماح للصحفيين الأجانب بدخول غزة، سيعتمد معظمهم بشكل كبير على الصحفيين الفلسطينيين والمترجمين وغيرهم من “المساعدين” الذين غالبا ما يقومون بالجزء الأكبر من العمل نيابة عن المراسلين الغربيين.

ونوه إلى أن ما ذكره يُعد أحد أسرار التغطية الأجنبية في معظم وسائل الإعلام الغربية التقليدية، فهي مبنية على العمل غير المرئي، وغير المعترف به إلى حد كبير، للصحفيين والمساعدين المحليين.

وختم أستاذ الصحافة في جامعة نيويورك بالقول “مع منع دخول الصحفيين الأجانب إلى غزة، تمكن صحفيون فلسطينيون مثل أنس الشريف من نقل قصة شعبهم مباشرة إلى العالم، وإسرائيل تقتلهم بشكل منهجي بسبب ذلك، بينما يلتزم العديد من زملائهم الغربيين والمؤسسات الصحفية الدولية الصمت المخزي”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version