اتفق محللون سياسيون على أن عملية إطلاق النار في مفترق راموت بالقدس المحتلة حملت رسائل إستراتيجية مؤثرة، سواء في اختيار توقيتها أم في رمزية مكان تنفيذها، ورأوا أن تداعياتها ستلقي بظلالها على المشهدين الفلسطيني والإسرائيلي في المرحلة المقبلة.

وجاءت العملية التي نفذها شابان فلسطينيان صباح الخميس، حيث فتحا النار على تجمع للمستوطنين في محطة حافلات مركزية شمال القدس، قبل أن يُستشهدا برصاص قوات الاحتلال، لتسفر عن مقتل 6 إسرائيليين وإصابة 15.

وأعلن جيش الاحتلال عقبها استنفارا واسعا، تزامنا مع استمرار عدوانه على قطاع غزة وتصاعد المواجهات في الضفة الغربية، بينما عادت إلى الواجهة أسئلة عن قدرة الاحتلال على تحصين جبهته الداخلية.

أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية حسن أيوب اعتبر أن الهجوم وقع في لحظة فارقة وصفها بـ”التوقيت الجراحي”، في ظل الضغوط الهائلة التي يفرضها الاحتلال على الفلسطينيين.

وأكد في حديثه للجزيرة أن العملية وجهت ضربة قاسية لافتراض إسرائيل قدرتها على تحييد خيار المقاومة عبر حملاتها العسكرية المتواصلة.

محاولات عزل فاشلة

وتمكن المنفذان من الوصول إلى القدس رغم الإجراءات الأمنية المشددة، وهو ما اعتبره أيوب مؤشرا على فشل الاحتلال في عزل المدينة عن محيطها الفلسطيني، وبرأيه فإن سقوط هذا الافتراض يعني أن محاولات تحصين الجبهة الداخلية الإسرائيلية لم تعد سوى أوهام.

وتزامنت العملية مع دعوات إسرائيلية لتوسيع الاستيطان وتشديد القبضة الأمنية في الضفة، حيث تحدث مسؤولون إسرائيليون أخيرا عن “ردع ناجح” للمقاومة، لكن أيوب شدد على أن الهجوم الأخير أسقط هذه المقولات، مذكرا بأن الفلسطينيين قادرون على المبادرة والرد رغم كل القيود.

وحذر من أن تداعيات الهجوم قد تدفع الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة إلى مزيد من التصعيد ضد الفلسطينيين، مشيرا إلى ما سماه “لعنة النتائج غير المقصودة” التي قد تجعل الاحتلال أكثر تورطا في سياسات القمع والتهجير، بما يغذي في المقابل موجات جديدة من المقاومة.

أما بلال الشوبكي، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الخليل، فاعتبر أن إسرائيل ستلجأ كعادتها إلى العقاب الجماعي، سواء عبر اقتحام القرى التي خرج منها المنفذان أم تشديد القيود على حركة الفلسطينيين في الضفة، ورأى أن مثل هذه الإجراءات لا تحمل بُعدا أمنيا بقدر ما تعكس سلوكا انتقاميا متكررا.

ولم يقتصر رد الفعل الإسرائيلي على الجانب الميداني، إذ سارع وزراء من أقصى اليمين مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش للمطالبة بمزيد من العقوبات والقيود، وبرأي الشوبكي فإن هذا الخطاب يعكس حالة ارتباك في المؤسسة الأمنية، وعجزها عن تقديم تفسير مقنع للإخفاقات أمام الرأي العام الإسرائيلي.

عودة الحرب للداخل

وأضاف أن العملية أعادت الحرب إلى داخل المجتمع الإسرائيلي العادي الذي لم يكن يشعر بتداعيات العدوان على غزة أو المواجهات في الضفة، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام تساؤلات شعبية عن جدوى استمرار هذه السياسات التي لم تحقق الأمن المنشود.

ولفت الشوبكي إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يوظف مثل هذه التطورات لصالحه، سواء عبر تبرير تغيبه عن محاكماته أم بإظهار نفسه في موقع القائد المتصدي للتحديات الأمنية، مشيرا إلى أن هذا السلوك ينسجم مع محاولاته المستمرة لتأجيل المساءلة القضائية.

وفي السياق ذاته، اعتبر الخبير في الشؤون الإسرائيلية عماد أبو عواد أن دلالة المكان في الهجوم تحمل رسالة قوية، إذ يثبت الفلسطينيون قدرتهم على الوصول إلى عمق المناطق التي يزعم الاحتلال تحصينها، وأكد أن كل الإجراءات الأمنية المشددة لم تمنع تنفيذ العملية في قلب القدس.

وبيّن أبو عواد أن سلوك الاحتلال في الضفة وغزة يفاقم شعور الفلسطينيين بالحاجة إلى الرد، مشيرا إلى أن العمليات لا تتطلب إمكانات ضخمة أو تنظيما معقدا، بل تستند أساسا إلى إرادة جيل شاب يرى في المقاومة خياره الأساسي.

وأوضح أن ردود الفعل الإسرائيلية ستتراوح بين الدعوات لتشديد العقوبات ومضاعفة الاستيطان، وصولا إلى فرض مزيد من الحواجز والإجراءات الأمنية، لكنه شدد على أن التجربة أثبتت أن هذه السياسات لا تحقق الأمن لإسرائيل، بل تكرّس دائرة المقاومة من جديد.

وخلص المحللون إلى أن العملية أعادت تأكيد حقيقة أن الفلسطينيين لا يزالون قادرين على فرض حضورهم الميداني رغم كل محاولات الاحتلال لعزلهم، بينما يواجه الداخل الفلسطيني تحديا موازيا يتمثل في غياب موقف سياسي موحّد قادر على استثمار هذه اللحظة التاريخية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version