Published On 9/9/2025
|
آخر تحديث: 19:00 (توقيت مكة)
قال الدكتور لقاء مكي، الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات، إن الهجوم الإسرائيلي على وفد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الدوحة يثبت أن إسرائيل “دولة لا تحترم القانون الدولي وتجاوزت كل الخطوط الحمر”، مؤكدا أنها تمثل تهديدا مباشرا للأمن والسلم الدوليين.
وعبر مكي عن اعتقاده بأن العملية لم تكن عابرة بل مخططا لها منذ مدة، وأنها مثلت إعلانا صريحا بانتهاء المفاوضات، إذ باغتت تل أبيب الجهة المفاوضة أثناء اجتماعها لبحث المقترح الأميركي الأخير، مما يعني عمليا اغتيال المسار الدبلوماسي برمته.
وكان مصدر قيادي في حركة حماس قد أكد للجزيرة نجاة الوفد برئاسة خليل الحية من الغارة، في حين اعتبرت وزارة الخارجية القطرية الهجوم “عدوانا جبانا” و”انتهاكا خطيرا للقوانين الدولية”، مؤكدة أن الدوحة لن تتهاون مع أي مساس بأمنها وسيادتها.
وأشار مكي إلى أن ما جرى “عدوان بلا مبرر” استهدف دولة ليست في حالة حرب مع إسرائيل، بل رعت على مدى عامين جهود الوساطة واستقبلت وفودا إسرائيلية لتسهيل المفاوضات.
وأضاف أن استهداف قطر يضع تل أبيب في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي لأنها لم تكتف بتدمير غزة بل نقلت نيرانها إلى دولة وسيطة.
وشدد على أن بيان الخارجية القطرية كان منسجما مع حجم الاعتداء، لكنه رأى أن الخطر لا يقتصر على الدوحة وحدها بل يشمل كل دول المنطقة، إذ أثبتت إسرائيل أنها “دولة منفلِتة بلا رادع” يجب أن تخضع لإجراءات بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
اغتيال العملية الدبلوماسية
وحذر من أن استهداف المفاوضين يعني إجهاض التسوية السياسية بالكامل، معتبرا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “اغتال العملية الدبلوماسية” حين ضرب الجهة المفاوضة نفسها، لافتا إلى أن إسرائيل لم تعد جديرة بأي عملية سلمية بعدما قتلت الأمل في أي تسوية.
وكان مكتب نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب في غزة- قال إن “العملية ضد كبار قادة حماس مستقلة تماما وبادرت بها إسرائيل ونفذتها وتتحمل مسؤوليتها الكاملة”.
ولفت الدكتور لقاء مكي إلى أن الهجوم يطرح أسئلة على واشنطن نفسها، إذ إن إسرائيل باغتت حتى الخطة التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب باعتبارها “الفرصة الأخيرة للتسوية”. وتساءل مكي: “هل خدع نتنياهو ترامب أم أن الخطة الأميركية صُممت أصلا لتمنح إسرائيل الغطاء للقصف؟”.
ورأى أن مسؤولية مجلس الأمن باتت مباشرة، فهو الجهة المخولة بحفظ الأمن والسلم الدوليين، خاصة أن العدوان الإسرائيلي جاء من دولة عضو في الأمم المتحدة عبر عدة أجواء إقليمية ليضرب بيتا يضم مدنيين ومفاوضين يبحثون خطة سلام.
ودان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف قادة حركة حماس في الدوحة، واصفا إياه بـ”الانتهاك الصارخ لسيادة قطر وسلامة أراضيها”.
وقال مكي إن قطر ستتجه إلى المجلس مدعومة على الأرجح من دول مجلس التعاون، مع ممارسة ضغوط على العواصم الغربية لإجبارها على اتخاذ موقف.
“دولة بلا كوابح”
وأضاف أن إسرائيل تضرب لبنان وسوريا وقتما تشاء، وهددت مصر باتفاقية معبر رفح، وتواصل ابتزاز الأردن، قبل أن تنقل عدوانها إلى قطر، مشيرا إلى أن المشهد يعكس “دولة بلا كوابح لا قانونية ولا أخلاقية” تحت راية الأمم المتحدة.
وبيّن أن الإدانات الدولية التي رافقت حرب غزة حتى الآن أضرت بصورة إسرائيل أخلاقيا لكنها لم تترجم إلى عقوبات أو عزلة سياسية وقانونية.
وقال إن المطلوب أن يضع مجلس الأمن إسرائيل تحت طائلة العقوبات، مشيرا إلى أن قصف المفاعل النووي العراقي عام 1981 جوبه بإدانة شكلية فقط لم ترتق إلى الفصل السابع.
واعتبر مكي أن المشكلة أعمق من الموقف الأميركي الراهن، فإسرائيل لطالما تعاملت مع الإدارات الأميركية المتعاقبة باعتبارها “إدارات إسرائيلية”، سواء في عهد ترامب أو الرئيس السابق جو بايدن، حيث واصلت اعتداءاتها في سوريا ولبنان دون أي عقوبات أو ردع.
وفي ما يتعلق بمستقبل الوساطة القطرية، اعتبر مكي أن محاولة اغتيال وفد حماس “تغتال عمليا عملية التسوية”، إلا إذا قررت الدوحة فصل دورها كوسيط عن إجراءاتها ضد إسرائيل من باب المسؤولية تجاه الشعب الفلسطيني.
وأضاف أن العملية عززت قناعة المقاومة في غزة بصوابية خيارها العسكري، بعدما استُهدف المكتب السياسي لحماس نفسه، وهو ما يجعل فرص التسوية المستقبلية شبه معدومة، معتبرا أن “كل ما جرى لم يكن سوى خدعة سياسية”.
تسعير الحرب بغزة
ورأى أن الاستهداف الإسرائيلي سيؤدي إلى تسعير الحرب في غزة لا إلى التهدئة، مشيرا إلى أن تل أبيب لم ترد حتى على الصيغة التي أرسلتها حماس، لأنها لم تكن في وارد مناقشة أي سلام. واعتبر أن نتنياهو ماضٍ في خطة اجتياح غزة وتدميرها بالكامل سعيا للقضاء على الحركة.
وتوقع أن تستمر حماس في القتال حتى لو دُمرت غزة تماما، مذكّرا بأن جباليا وبيت حانون دُمِّرتا بالكامل وما زالت العمليات مستمرة فيهما.
وأضاف أن تداعيات الهجوم لا تقتصر على غزة وحدها، بل قد تشعل حروبا إضافية في المنطقة باعتبار أن ما جرى في الدوحة يمثل تحولا خطيرا يهدد الاستقرار الإقليمي.
وأكد مكي أن إسرائيل أظهرت أنها “دولة منبوذة أخلاقيا”، لكن يجب أن تصبح أيضا “منبوذة قانونيا” عبر مجلس الأمن، لأن استمرارها في تجاوز الخطوط الحمر لم يعد يحتمل صمتا أو تسويفا.