في قطاع غزة، لم يعد الموت استثناء، بل تحول إلى مشهد يومي دام، يتصدره الأطفال الضحايا الذين يتساقطون تباعا بسبب سوء التغذية، وانهيار المنظومة الصحية، واستمرار الحصار الإسرائيلي الذي يخنق كل مقومات الحياة.

ويودّع الغزيون أطفالهم ليس بسبب أوبئة أو كوارث طبيعية، بل لأنهم ببساطة لا يجدون غذاءً يسد رمقهم ولا علاجا ينقذهم، في ظل تسارع وتيرة تسجيل المستشفيات أسماء جديدة لأطفال لفظوا أنفاسهم الأخيرة جوعا، في صمت يدمي الضمير الإنساني.

وأعلن مجمع ناصر الطبي وفاة الطفل عبد الحميد الغلبان من مدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة، نتيجة سوء التغذية، كما أفادت مصادر في مجمع الشفاء الطبي بوفاة رضيع عمره 40 يوما يدعى يوسف الصفدي، شمال القطاع، للسبب ذاته.

وتفيد مصادر طبية في غزة بوفاة 23 فلسطينيا بسبب سوء التغذية خلال يومين فقط، في وقت تتصاعد فيه الأصوات الغاضبة عبر منصات التواصل الاجتماعي، معتبرة أن ما يحدث هو سياسة ممنهجة لإبادة المدنيين بالجوع، وسط غياب أي تحرك فاعل من المنظمات الإنسانية والدولية.

ووثّقت منصات التواصل الاجتماعي حالات مشابهة، أبرزها مأساة عائلة “أبو زرقة”، التي تختصر وجع آلاف العائلات المنهكة بالجوع؛ فعبد الله (5 أعوام) وشقيقته الرضيعة حبيبة (5 شهور) يصارعان الموت بأجساد منهكة، بعدما توفي شقيقهما الأكبر محمد سابقا بسبب سوء التغذية وغياب العلاج.

يعاني عبد الله من هشاشة في العظام، وتقوّس في القفص الصدري، وتمزق في الرئتين، وصعوبة في التنفس والحركة، بينما تعاني شقيقته حبيبة من تضخم في الكبد وانتفاخ في البطن وسوء تغذية حاد، في ظل عجز تام عن توفير تحويلات علاجية خارج القطاع.

ووصف الأطباء حالتهما بـ”الحرجة جدا”، مؤكدين أن حياتهما مهددة في كل لحظة ما لم يتم نقلهما العاجل للعلاج خارج غزة، وهو ما يبدو حلما بعيد المنال في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي.

في السياق ذاته، وصف مغرّدون الواقع القاسي الذي يعيشه أطفال غزة بأنه يفوق المأساة، مشيرين إلى أنهم لا يجدون لقمة تسدّ رمقهم، ليس فقط بسبب الحصار والقصف، بل لأن الحياة نفسها أصبحت ترفا لا يملكونه.

وشبّه آخرون ملامح أطفال غزة -الوجوه الشاحبة، الأجساد الهزيلة، والعيون الغائرة- بتلك التي عرفها العالم في الصومال زمن المجاعة، لكنهم أكدوا أن الفارق فادح؛ فالكارثة في غزة ليست طبيعية، بل عقوبة جماعية تُمارَس ببطء، وتُرتكَب على مرأى ومسمع العالم.

وكتب أحد النشطاء: “في القرن الأفريقي، جفّت الأرض من المطر. أما في فلسطين، فقد جفّت الحياة من الرحمة. هناك، كانت المجاعة نتيجة الإهمال. أما هنا، فهي تحت نيران الاحتلال، والعالم يتفرج، يكتفي بالبيانات، وينسى أن الجوع لا دين له، ولا لغة سوى أنين طفل لا يجد ما يسكت جوعه”.

وأضاف آخر: “أطفال غزة ينامون منذ عدة أيام على بطون فارغة”.

وفي وصف يكشف حجم الألم، كتب أحد المدونين: “في غزة، انتهت مرحلة التجويع. نحن نمر بشيء آخر لا يمكن شرحه. نشعر به كما يشعر المرء بنزع روحه من جسده. أجسادنا تتهاوى، أعضاؤنا تأكل بعضها، وكريات دمنا تموت ببطء. قدرتنا على التعافي من لسعة بعوضة باتت تستمر لأيام. السقوط في الشوارع أصبح عاديا”.

ويضيف: “هذا ما يحدث معنا نحن البالغين، فماذا عن أطفالنا؟ هؤلاء الذين كسروا ظهورنا بقلة حيلتهم. يعانون من سوء تغذية حاد لا عودة منه إلا بطعام صحي ووجبات منتظمة، وهو المستحيل ذاته. يسقطون منا واحدا تلو الآخر، ولا نملك سوى مراقبتهم وهم يضيعون. هل رأيتم في هذا العالم انتقاما كهذا؟”.

واعتبر مدونون أن الطفل عبد الحميد الغلبان، الذي توفي في خان يونس نتيجة سوء التغذية، “ليس الرقم الأول ولن يكون الأخير” في ظل الحصار الكامل وانهيار كل سبل الحياة.

ووصف آخرون ما يحدث بأنه “جريمة موت جماعي بالجوع”، تحدث الآن، في القرن الـ21، بينما لا يزال العالم يشيح بوجهه، مكتفيا بالتصريحات، تاركا أطفال غزة وحدهم في مواجهة الموت البطيء.

وأشار مدونون إلى أن الجوع في غزة لا يشبه شيئا مما نعرفه؛ فهو ليس تأخر وجبة، ولا غياب صنف عن المائدة، بل حرمان قاسٍ ينهش أجساد الأطفال والنساء والشيوخ، ويُثقل أرواح الرجال العاجزين أمام صرخات أبنائهم.

وتساءل مغردون: “أطفال لا ذنب لهم سوى أنهم من غزة.. لماذا يحدث هذا؟! أين مؤسسات رعاية الطفل؟!”.

وتتزايد أعداد ضحايا الجوع في غزة في ظل الحصار الإسرائيلي، إذ أعلنت وزارة الصحة في القطاع أمس الاثنين أن 20 شخصا استشهدوا بسبب التجويع خلال 48 ساعة.

وقد أكدت وزارة الصحة في غزة أول أمس الأحد الماضي استشهاد أكثر من 900 فلسطيني -بينهم 71 طفلا- بسبب الجوع وسوء التغذية، إضافة إلى 6 آلاف مصاب من الباحثين عن لقمة العيش منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version