أعلنت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية عن سلسلة من الاتفاقيات الاستراتيجية الهامة خلال قمة حديثة، مما يعزز الشراكة السعودية الأمريكية في مجالات حيوية. وتشمل هذه الاتفاقيات التعاون في مجال الطاقة النووية السلمية، وتأمين سلاسل الإمداد للمعادن النادرة، وتطوير التعاون الرقمي والذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى اتفاقية دفاعية جديدة تهدف إلى تعزيز الأمن الإقليمي. وتأتي هذه الخطوة في إطار سعي المملكة لتنويع اقتصادها وتعزيز مكانتها كقوة إقليمية وعالمية.
وتهدف هذه الاتفاقيات، وفقًا لتصريحات رسمية من الجانبين، إلى تحديث وتعميق العلاقات الثنائية لمواكبة التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية المتسارعة على المستويين الإقليمي والدولي. وتُعد هذه التطورات بمثابة إعادة هيكلة للتعاون بين البلدين على مدى العقود القادمة، مع التركيز على المصالح المشتركة والأهداف الاستراتيجية المتبادلة.
تعزيز التعاون في مجال الطاقة النووية السلمية
أكملت الرياض وواشنطن التفاوض بشأن اتفاقية تعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. تسمح هذه الاتفاقية بنقل التقنيات النووية الأمريكية المتقدمة إلى المملكة، بما في ذلك التقنيات المتعلقة بمحطات الطاقة النووية. ويهدف هذا التعاون إلى دعم خطط المملكة لتنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على النفط.
وتفتح هذه الاتفاقية آفاقًا واسعة للشركات الأمريكية للمشاركة في مشاريع نووية داخل المملكة، مما يساهم في خلق فرص عمل متخصصة وجذب الاستثمارات النوعية. وتعتبر هذه الخطوة امتدادًا لمبادرات سابقة، مثل وثيقة الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية التي تم توقيعها في عام 2025.
تأمين سلاسل الإمداد للمعادن النادرة والاستراتيجية
اعتمد البلدان إطارًا استراتيجيًا لتعزيز أمن واستدامة سلاسل الإمداد الخاصة باليورانيوم والمعادن الحرجة، بما في ذلك المعادن الأرضية النادرة والمغانط الدائمة. يهدف هذا الإطار إلى تطوير سلاسل توريد موثوقة تدعم الصناعات المستقبلية المرتبطة بالطاقة المتقدمة والتقنيات النظيفة، وهو ما يمثل تحديًا عالميًا متزايدًا.
وتشير بيانات وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية إلى أن قيمة الثروات المعدنية في المملكة تصل حاليًا إلى حوالي 2.5 تريليون دولار، بزيادة كبيرة عن التقديرات السابقة. يعزى هذا الارتفاع إلى اكتشافات جديدة تشمل المعادن الحرجة والفوسفات والنحاس والزنك والذهب، مما يعزز طموحات المملكة في هذا القطاع.
دور رؤية السعودية 2030
يتماشى تطوير هذا الإطار مع أهداف رؤية السعودية 2030، التي تهدف إلى جعل قطاع التعدين ركيزة ثالثة للاقتصاد السعودي. وتسعى الرؤية إلى جذب الاستثمارات الدولية وتحويل الخامات المعدنية إلى منتجات ذات قيمة مضافة، مما يعزز النمو الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل.
التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي
أعلنت السعودية والولايات المتحدة عن تعزيز الشراكة السعودية الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي، مستفيدة من النمو المتسارع للاقتصاد الرقمي في المملكة. بلغ حجم الاقتصاد الرقمي السعودي 132 مليار دولار في عام 2024، مسجلاً نموًا يتجاوز 66% منذ عام 2018، مما يؤكد أهمية هذا القطاع.
وترتكز هذه الشراكة على دور المملكة كمركز إقليمي لمراكز البيانات فائقة السعة، وعلى قاعدة بشرية متنامية تضم أكثر من 400 ألف متخصص تقني سعودي. وقد تم تأهيل العديد من هؤلاء المتخصصين من خلال برامج تدريبية مشتركة مع شركات أمريكية رائدة مثل أبل وجوجل ومايكروسوفت وأمازون.
تهدف الاتفاقيات إلى تطوير نماذج لغوية عربية متقدمة، ورفع مستوى استعداد الشركات السعودية لتلبية الطلب الإقليمي المتزايد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والطاقة والخدمات الحكومية. ويعتبر تطوير هذه التقنيات أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق التحول الرقمي في المملكة.
اتفاقية دفاعية جديدة
وقّع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي دونالد ترمب اتفاقية دفاع استراتيجية تعتبر الأوسع منذ بداية التعاون العسكري بين البلدين قبل حوالي تسعة عقود. تضع هذه الاتفاقية إطارًا محدثًا للتنسيق الأمني والعسكري، بهدف تعزيز قدرات القوات المسلحة السعودية وتطوير الصناعات العسكرية المحلية.
وتؤكد الجهات الرسمية في الرياض أن هذه الاتفاقية “ليست موجهة ضد أي دولة”، بل تهدف إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي وترسيخ مبدأ الردع والدبلوماسية كأدوات لحل النزاعات. كما تشير إلى أن التعاون الصناعي العسكري سيساهم في خلق فرص عمل في كلا البلدين.
وتشكل هذه الاتفاقية خطوة مهمة نحو تعزيز الشراكة السعودية الأمريكية في المجال الأمني، وتأتي في وقت تشهد فيه المنطقة تحديات أمنية متزايدة. وتعكس الاتفاقية التزام كلا البلدين بالحفاظ على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.
تُعد هذه الحزمة من الاتفاقيات امتدادًا لعلاقات طويلة الأمد بين السعودية والولايات المتحدة، وتعكس رغبة مشتركة في مواءمة هذه الشراكة مع أولويات المرحلة الحالية. من المتوقع أن يتم وضع خطط تنفيذية مفصلة لهذه الاتفاقيات في الأشهر القادمة، مع التركيز على تحديد المشاريع ذات الأولوية وتخصيص الموارد اللازمة. وستكون متابعة التقدم المحرز في تنفيذ هذه الاتفاقيات أمرًا بالغ الأهمية لتقييم مدى نجاحها في تحقيق الأهداف المرجوة.

