اعتبر رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن الصين تمثل تهديدًا للأمن القومي لبلاده، لكنه أكد في الوقت ذاته على ضرورة مواصلة التعاون التجاري معها، معتبرًا ذلك يصب في المصلحة الوطنية البريطانية. يأتي هذا التصريح في ظل توترات مستمرة بين لندن وبكين بسبب اتهامات متبادلة بالتجسس والتدخل في الشؤون الداخلية، بينما تدافع بكين عن نفسها وتصف هذه الاتهامات بأنها لا أساس لها من الصحة.
أدلى ستارمر بهذه التصريحات خلال خطاب له أمام قادة الأعمال، مساء الاثنين، موضحًا أن حكومة حزب العمال تسعى إلى اتباع نهج “جاد” تجاه الصين، يوازن بين حماية المصالح الأمنية وتعزيز العلاقات الاقتصادية. وقد أثارت هذه التصريحات ردود فعل متباينة، حيث يرى البعض أنها تعكس واقعية ضرورية في التعامل مع قوة صاعدة مثل الصين، بينما ينتقدها آخرون لعدم كفاية التركيز على المخاطر الأمنية.
العلاقات البريطانية الصينية: موازنة بين التهديد والمصلحة
أكد ستارمر أن حكومته “لن تقايض الأمن بالاقتصاد”، مشيرًا إلى أن حماية الأمن القومي هي الأولوية القصوى. ومع ذلك، أضاف أن اتخاذ إجراءات لحماية هذا الأمن لا يمنع التعاون مع الصين في مجالات أخرى، مثل الخدمات المالية، والصناعات الإبداعية، والأدوية، والسلع الفاخرة، حيث توجد فرص تصديرية كبيرة للشركات البريطانية.
وانتقد رئيس الوزراء البريطاني الحكومات السابقة، ووصف تدهور العلاقات مع الصين بأنه “تقصير في أداء الواجب”. ويرى أن تجاهل الصين أو محاولة عزلها ليس خيارًا واقعيًا، نظرًا لأهميتها الاقتصادية المتزايدة وتأثيرها العالمي.
اتهامات التجسس وتصاعد التوترات
تأتي تصريحات ستارمر بعد تحذيرات متكررة من أجهزة الاستخبارات البريطانية بشأن أنشطة تجسس صينية تستهدف المملكة المتحدة. ففي نوفمبر الماضي، حذر جهاز الاستخبارات الداخلية (MI5) أعضاء البرلمان وموظفيهم من محاولات تجسس جديدة تستهدف مبنى البرلمان في ويستمنستر.
ورغم نفي الصين لهذه الاتهامات ووصفها بـ”الافتراء”، تعهد وزير الأمن البريطاني دان جارفيس بعدم التسامح مع أي تدخل صيني في الشؤون الداخلية البريطانية.
تسعى الحكومة البريطانية إلى إيجاد توازن دقيق بين مواجهة التحديات الأمنية والاستفادة من الفرص الاقتصادية التي تقدمها الصين. هذا التحدي ليس فريدًا لبريطانيا، بل يواجهه العديد من الدول الغربية التي تسعى إلى التعامل مع الصين كشريك ومنافس في آن واحد.
وتشير مصادر إلى أن ستارمر يستعد لزيارة الصين العام المقبل، في خطوة تهدف إلى إعادة بناء الثقة وتعزيز الحوار مع القيادة الصينية. وقد سبقه في ذلك عدد من الوزراء البريطانيين الذين قاموا بزيارات إلى الصين منذ انتخاب حزب العمال العام الماضي.
في المقابل، قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارتين للصين منذ عام 2018، ويستعد لزيارة ثالثة هذا الأسبوع، بينما زار قادة ألمان الصين أربع مرات خلال نفس الفترة. آخر رئيس وزراء بريطاني زار الصين كانت تيريزا ماي في عام 2018.
تعتبر قضية الاستثمار الأجنبي المباشر من الصين في القطاعات الاستراتيجية البريطانية من القضايا الحساسة التي تثير قلقًا متزايدًا. تسعى الحكومة إلى تشديد الرقابة على هذه الاستثمارات لضمان عدم تعرض الأمن القومي للخطر.
بالإضافة إلى ذلك، تولي بريطانيا اهتمامًا خاصًا بقضية حقوق الإنسان في الصين، وخاصةً وضع أقلية الإيغور في منطقة شينجيانغ. وتدعو الحكومة الصينية إلى احترام حقوق الإنسان والالتزام بالمعايير الدولية.
من المتوقع أن تشهد العلاقات البريطانية الصينية مزيدًا من التطورات في الأشهر المقبلة، مع استعداد رئيس الوزراء ستارمر لزيارة الصين. سيكون من المهم مراقبة مدى قدرة الجانبين على إيجاد أرضية مشتركة للتعاون في المجالات ذات الاهتمام المتبادل، مع معالجة المخاوف الأمنية وحقوق الإنسان بشكل بناء.
يبقى مستقبل العلاقة بين بريطانيا والصين معقدًا وغير مؤكد، ويتطلب نهجًا دقيقًا ومرنًا من كلا الجانبين. سيكون من الضروري مراقبة التطورات الجيوسياسية والاقتصادية، وكذلك السياسات الداخلية لكلا البلدين، لتقييم مسار هذه العلاقة في المستقبل.

