كشفت مصادر مطلعة لمجلة “بوليتيكو” أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب استطلعت آراء شركات النفط الأمريكية بشأن إمكانية العودة إلى فنزويلا في حال تغيير النظام الحاكم، لكن الشركات أبدت “رفضًا قاطعًا”. يأتي هذا في ظل تدهور أوضاع قطاع النفط في فنزويلا وتزايد الضغوط الأمريكية على كراكاس، مما يثير تساؤلات حول مستقبل الطاقة في البلاد.
وبحسب التقرير، يمثل هذا التواصل مع شركات النفط محاولة من الإدارة الأمريكية السابقة لوضع خطط لمرحلة ما بعد الرئيس نيكولاس مادورو، مع الأخذ في الاعتبار دور أسواق النفط العالمية في تسهيل أو عرقلة هذه الخطط. وتشير هذه الخطوة إلى مدى أهمية فنزويلا بالنسبة للسياسة الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بموارد الطاقة.
تراجع الاستثمار في النفط الفنزويلي
تمنح وفرة المعروض في الأسواق العالمية، وانخفاض أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات، إدارة ترامب هامشًا أكبر للمناورة في الضغط على فنزويلا. لكن هذا الوضع لا يشجع شركات النفط الأمريكية على الاستثمار في فنزويلا.
ويرى خبراء الصناعة والمحللون أن الأسعار المنخفضة للنفط لا توفر حافزًا كافيًا للمخاطرة باستثمارات كبيرة في البنية التحتية النفطية الفنزويلية المتهالكة، والتي تم تأميمها في عهد الرئيس الراحل هوجو شافيز. بالإضافة إلى ذلك، فإن المخاطر السياسية والقانونية المرتبطة بالعمل في فنزويلا تزيد من عزوف الشركات.
مخاوف بشأن أسعار الوقود العالمية
سعر النفط الخام الأمريكي حاليًا حوالي 56 دولارًا للبرميل، وهو أدنى مستوى له منذ يناير 2021. هذا يعني أن إدارة ترامب لم تكن قلقة من ارتفاع أسعار البنزين في حال تدخل عسكري في فنزويلا. ومع ذلك، فإن هذا الانخفاض في الأسعار يعني أيضًا أن شركات النفط الأمريكية لديها خيارات استثمارية أكثر جاذبية في مناطق أخرى من العالم.
أحد المصادر المطلعة على المناقشات صرح بأن الإدارة بدأت في التواصل مع قطاع النفط بشأن إمكانية العودة إلى فنزويلا، لكن “بصراحة، لا يوجد اهتمام كبير من قبل الشركات في ظل انخفاض أسعار النفط وتوفر حقول أكثر جاذبية على مستوى العالم”.
وتلعب وزارة الخارجية الأمريكية دورًا في هذه المساعي، بمساعدة إيفانان روميرو، وهو مسؤول تنفيذي سابق في شركة النفط الوطنية الفنزويلية PDVSA يعمل حاليًا مستشارًا في هيوستن. ويعمل روميرو كمنسق في مناقشات العقوبات التي تنظمها وزارة الخارجية، وفقًا لمصدر في الصناعة.
حصار على صادرات النفط الفنزويلية
أعلن الرئيس ترامب عن فرض حصار على السفن التي تغادر فنزويلا حاملة نفطًا خاضعًا للعقوبات الأمريكية، مؤكدًا أن الولايات المتحدة “لن تسمح لنظام معاد بالاستيلاء على نفطنا أو أرضنا أو أي أصول أخرى”. هذه الخطوة تهدف إلى قطع مصادر الدخل عن حكومة مادورو.
وكانت شركات كبرى مثل شيفرون وإكسون وكونوكو فيليبس وهاليبرتون وشلبرجير وويذرفورد إنترناشيونال وبيكر هيوز تعمل في فنزويلا في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. لكن شافيز سعى إلى إجبارها على التنازل عن حصص الأغلبية في مشاريعها لصالح شركة PDVSA، وصادر أصول الشركات التي رفضت الامتثال.
فنزويلا: “ساحة للخردة”
لقد فرضت إدارة ترامب عقوبات على فنزويلا، بما في ذلك قطاع النفط. ونتيجة لذلك، أدت سنوات من العقوبات ونقص الاستثمارات والاضطرابات السياسية إلى تحويل فنزويلا، التي كانت ذات يوم رائدة في إنتاج النفط، إلى ما وصفه ممثلو الصناعة بـ “ساحة للخردة”. تدهور البنية التحتية بشكل كبير، وانخفض الإنتاج إلى مستويات قياسية.
ومع ذلك، يرى المحللون أن إحياء إنتاج النفط في فنزويلا لن يكون سهلاً. وقال فرناندو فيريرا، مدير خدمة المخاطر الجيوسياسية في مجموعة “رابيدان إنرجي”، إن شركات النفط الكبرى من المرجح أن تكون “حذرة قبل الاندفاع الكامل كما تأمل الإدارة على الأرجح”.
وأضاف فيريرا: “الشركات التي لدغت من الجحر مرة ستكون حذرة في العودة، إذ يتعين عليها أن تبرر لمساهميها سبب اختلاف الأمر هذه المرة. من المرجح أن تكون هناك فجوة زمنية بين المرحلة الانتقالية وبين تدفق الاستثمارات نحو فنزويلا”. ومع ذلك، أشار إلى وجود اهتمام متزايد من الشركات بالعودة بعد أن بدأت إدارة الرئيس جو بايدن في تخفيف العقوبات عام 2022.
من المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة في ممارسة الضغوط على فنزويلا من خلال العقوبات والتهديدات العسكرية. ومع ذلك، فإن مستقبل النفط في فنزويلا يعتمد على الاستقرار السياسي والاقتصادي، وقدرة البلاد على جذب الاستثمارات الأجنبية. سيكون من المهم مراقبة تطورات الوضع السياسي في فنزويلا، ورد فعل شركات النفط الأمريكية، وتأثير ذلك على أسعار النفط العالمية.

