تثير جهود إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتوصل إلى حل للأزمة الأوكرانية تساؤلات متزايدة حول مستقبل حلف شمال الأطلسي الناتو، ودوره في الأمن الأوروبي. وتأتي هذه المخاوف في ظل تحركات أمريكية تبدو متناقضة، تشمل إرسال مبعوث خاص إلى موسكو لإجراء محادثات سلام، بينما يتغيب وزير الخارجية الأمريكي عن اجتماع مهم للحلف، مما يزيد من الشكوك حول مدى التزام واشنطن بتحالفاتها التقليدية.

فقد قام المبعوث الخاص للبيت الأبيض، ستيف ويتكوف، بزيارة موسكو، وهي الزيارة السادسة له هذا العام، بهدف استئناف محادثات السلام مع الكرملين بشأن الحرب في أوكرانيا. ويُذكر أنه لم يقم بزيارة مماثلة إلى كييف حتى الآن. في الوقت ذاته، أعلنت صحيفة وول ستريت جورنال أن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو لن يحضر اجتماع وزراء خارجية دول الناتو نصف السنوي، وسيرسل نائباً عنه، وهو ما لم يحدث منذ عام 1999.

خطة السلام الأمريكية وتداعياتها على الناتو

أثارت تسريبات تتعلق بخطة سلام أمريكية مقترحة، بالإضافة إلى كشف تفاصيل مكالمات هاتفية بين ويتكوف ومسؤولين روسيين كبار، مخاوف في أوروبا بشأن الأولويات المتغيرة للولايات المتحدة. تشير هذه التسريبات إلى أن إدارة ترامب قد تكون أكثر اهتمامًا بتحسين العلاقات مع روسيا والتعاون الاقتصادي، على حساب دعمها القوي لأوكرانيا والحفاظ على وحدة الحلف. تتزايد المخاوف من أن هذه التحركات قد تمثل تهديدًا أساسيًا لبنية الناتو التي استمرت لعقود.

وتضمنت خطة السلام، بحسب ما ورد، بنودًا أثارت انتقادات واسعة من قبل المسؤولين الأوروبيين. أحد أهم هذه البنود هو معاملة روسيا كطرف منتصر في الصراع، وإجبار أوكرانيا على التنازل عن مناطق استراتيجية، وتقليص حجم جيشها، دون ضمانات أمنية واضحة من الولايات المتحدة أو حلفائها في حالة استئناف روسيا هجماتها.

إضافة إلى ذلك، يرى البعض أن الخطة وصفت الولايات المتحدة بأنها وسيط بين روسيا والناتو، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت واشنطن لم تعد تعتبر نفسها جزءًا لا يتجزأ من الحلف الذي قادته لفترة طويلة، والذي لعب دورًا حاسمًا في حماية أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.

ردود الفعل الأوروبية على الخطة

أعرب العديد من القادة الأوروبيين عن رفضهم للشروط التي تتضمنها خطة السلام الأمريكية. فقد وصف رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك المسودة بأنها “غير مقبولة”، بينما أشار وزير الخارجية الفنلندي السابق بيكا هافيستو إلى أنه من المؤسف أن يطلع حلفاء الناتو على تفاصيل الخطة من خلال وسائل الإعلام، مؤكدًا أن ذلك يوضح وجود خلل في طريقة عمل الحلف ككيان سياسي.

وعقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اجتماعًا مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ثم أجرى محادثة هاتفية مع الرئيس ترامب، أكد خلالها على أهمية توفير ضمانات أمنية قوية لأوكرانيا. وكشف مسؤول فرنسي عن اعتقاد بأن الرئيسين بوتين وترامب كانا على وشك التوصل إلى اتفاق، لولا تدخل القادة الأوروبيين.

في سياق متصل، تشهد أوروبا حملة من التكتيكات العدائية الروسية، بما في ذلك الهجمات الإلكترونية، واختراقات الطائرات بدون طيار، وحوادث تتعلق بقطع الكابلات البحرية للإنترنت. هذه التطورات تزيد من قلق الدول الأوروبية بشأن التهديدات الأمنية المتزايدة من جانب روسيا، وأهمية الحفاظ على وحدة وتماسك حلف الناتو.

تحديات تواجه حلف الناتو

يدرك العديد من الخبراء السياسيين والعسكريين الأوروبيين أن هدف الرئيس بوتين هو استعادة نفوذ روسيا في أوروبا الشرقية، بما في ذلك الدول التي كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي السابق. يشكل حلف الناتو، وبنود الدفاع المشترك التي يتضمنها، ركيزة أساسية في مواجهة هذا الطموح، حيث ينص البند 5 على أن أي هجوم على دولة عضو يعتبر هجومًا على جميع الدول الأعضاء، بما في ذلك الولايات المتحدة.

ومع ذلك، يرى البعض أن حلف الناتو يواجه تحديات متزايدة، تتمثل في الانقسامات الداخلية، وتراجع الثقة بين الحلفاء، وعدم اليقين بشأن مدى التزام الولايات المتحدة بأمن أوروبا. تتزايد الدعوات إلى زيادة الإنفاق الدفاعي، وتعزيز القدرات العسكرية الأوروبية، والاعتماد بشكل أكبر على الذات في مجال الأمن. و يعتبر البعض أن التحديات الحالية تنبع من تباين النظرات بين واشنطن وبروكسل ؛ فالأوروبيون يركزون على المخاطر طويلة الأمد من روسيا بينما تنظر إدارة ترامب إلى إنهاء الصراع الحالي فقط. هذا التباين يوسع الفجوة في وجهات النظر تجاه الناتو ودوره المستقبلي.

في الختام، يبقى مستقبل حلف الناتو غير واضحًا في ظل التطورات الأخيرة. من المتوقع أن يعرض المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف خطة السلام المعدلة على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال هذا الأسبوع. سيكون رد فعل بوتين، بالإضافة إلى ردود الفعل الأوروبية، حاسمًا في تحديد مسار الأزمة الأوكرانية، وتأثيرها على مستقبل التحالف عبر الأطلسي. ما يجب مراقبته عن كثب هو مدى استجابة الولايات المتحدة لمخاوف حلفائها الأوروبيين، وقدرة الناتو على التغلب على الانقسامات الداخلية، والحفاظ على وحدته في مواجهة التحديات المتزايدة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version